القسم الثاني : إيران
مرة أخرى
شاهدت قبل أيــام حلقــة من
برنامج قناة الجزيرة " حديث الثورة " وكــان قسم كبيـــر منهـــــا مخصص
للحديث عن العلاقات بين النظامين السوري والإيراني . وحتى لا أتهم بالتحيز
للمعارضة ، أبــدأ بالتعرض لما قاله المعارض البارز السيد هيثم المالح عن وجود
حملة تشييع صفوية تقوم بها المؤسســــات
الإيرانية الدينية في سورية مبينا إستغرابي الشديد لأقواله في هذا الصدد
فقط ، مع تأييدي لكل ما قاله عــدا ذلك . وحتى لو كان هذا صحيحا ( وهناك بعض
المؤشرات على وجود شيء من هذا القبيل ) فليس الوقــت ولا المكان كانا مناسبين لمثل
هذا الحديث . والضرر كبير من مثل هذه المعالجة ، وهذا ما تلقفه المحـاوران
المعبران عن وجهة النظر الإيرانية في تلك الحلقة فإتهما السيد المالح ، وتاليا
ثوار سورية ، بالطائفية .
إن الثورة السورية هي ثورة الشعب السوري بكل مكوناتــه وطوائفــه ضد
النظــام المجرم بكل مكوناته وطوائفه . وبالأساس فإن النظــام المجرم لا يؤمن بأي
عقيـدة دينيــة أو مذهب سوى الإجــــــــرام والقتـــــل واللصوصية والفساد .
وحملة التشييع هــذه ، إن وجدت ، فهي لا تحظى بأي تجــاوب كمـــي أو نوعـي . وليس
لها أي دلالة أو قيمة عملية بالنسبة لمصالح إيران الإستراتيجية في المنطقة . ولم
يكن السيد المالح موفقـا في إتباع هذا النهج الذي يعزز الإتهامات المغرضة بأن
الثـورة في سورية هي ثورة طائفــــة معينــة بالذات ، أو موجهة ضد طائفة معينة
بالذات .
وأريد أن أوضح هنا ، بهذه
المناسبة وبشكل قاطـع ، أنه لا يوجـد أدنى مستوى من التقــارب أو التماثل أو
التوافق المذهبي العقيدي بين الشيعة والعلويين . والعلاقة بين إيران والنظام
السوري لا تدور أبدا في هذا الفلك ، وإنما ، كما هو مفترض ، في أطار المصالح
الإستراتيجية المتبادلة .
يحقـق النظــام السوري لإيران فوائـد
حيويـة على أصعــدة مختلفة . فهو ، أولا وقبل كل شيء ، مجـال حيوي لنفوذهـــا الإقليمي على المستوى السياسي . وهـذا
لا يحتاج لشرح أو تأكيــد فكل دول العــالم
تحاول توسيع مناطق نفوذها السياسية . حتى إن الدول الكبرى ، كالولايات
المتحدة مثلاَ ، تسعى لأن يشمل نفوذها كل بقاع الكرة الأرضية ، بإعتبار " أنه
لا توجد بقعة في العالم لا توجد فيها مصالح حيوية لأمريكا" كما قال وزير
دفاعها الأسبق " روبرت مكنمارا " في ستينات القرن الماضي .
لكن الأهم من النفوذ السياسي
لإيران يتمثل في الفــوائد الإسترتيجيـة – العسكريــة التي تحصــل عليها من
التحالف مع النظام السوري المجرم . إن إيران مهددة - بسبب برنامجها النووي - بضربة
جويــة صاروخية شاملة من قبــل التحالف الغربي و/ أو إسرائيل . والأرض السوريــة
تعتبر بمثـابة خط الدفــــاع الأمـامي لإيران في مواجهة مثل هذه الضربـة . وقـد
لوحـظ في الأعوام الأخيرة تمركز قواعــد صواريــخ إيرانية أرض – أرض متوسطة المدى
في سورية ( لا يمكن لهذه الصواريخ أن تطال إسرائيل لو توضعت ضمن حدود إيران ) .
وكذلك قواعد صواريخ أرض – جو مضادة للطائرات .
بالمقابـل تحصل سوريـة على بعض
الفوائـد من خلال إشتراك الخبـراء الإيرانيــون في صيانــــة وتطويرألأسلحة
والمعدات الحربية السورية ، وتنفيذ المناورات العسكرية المشتركة ، وتدريب
الطيـــــارين في المعاهد الإيرانية ، بالإضافة للقروض والهبات النقديــة التي
تستخدم لتعزيز تسليح الجيش السوري حتى يقوم بواجبه المقدس في قتل أبناء الشعب
السوري بأفضل وتيرة ممكنة .
وقد تضاعفت إحتياجات النظام السوري
للمساعدة الإيرانية ، في المجال العسكري ، بعـد إنهيـــار الإتحاد السوفييتي الذي
كان دعمه لسورية في كل المجالات ، وخاصة في المجال العسكري – الإستراتيجي على أعلى
مستوى . كان الجيش السوري يحصل على السلاح الروسي بأرخص الأسعار وبالتقسيط المريـح
جدا ، وكان إستحقاق دفع أول قسط يبدأ بعد عشرة سنوات ، وأحيانا بعد عشرين ، من
تاريخ إستلام صفقــة الأسلحة . وكانت الدفع يتم بالمقايضة عن طريق تصدير البضائع
السورية المرغوبة في روسيا كالأقمشــة
القطنية والسجائر وغيرها من المنتجات. وقد تلاشت كل هــذه الإمتيازات والتسهيلات
بعــد سقوط الإتحــاد السوفييتي . وأصبح لزاما على الجيش السوري أن يدفع ثمن
السلاح الروسي مقدما وبالسعر الكامل وبالنقد الأجنبي . لذلك أصبحت الحاجة ماسة
للتحول نحو إيران ، كبديل جزئي قدر الإمكان ، للتعويض .
يبقى موضوع حزب الله العامل الأكثر
أهمية في العلاقات السورية - الإيرانية حيث تشكل الأرض السورية صلة الوصل
الجغرافية بين إيران والحزب ، وشريان الحياة أو رئة التنفس له . ولا يمكن تصــور
مدى الأهمية الحيوية السياسية والعسكرية من وجود حزب الله في لبنان بالنسبة لإيران
. فهو إمتداد سياسي أثمر ، أخيرا ، عن تحويل لبنان إلى منطقة نفوذ إيرانية لتتكامل
وتتواصل هذه المنطقة جغرافيا من إيــــران مرورا بالعراق وسورية وإنتهاءا بلبنان .
وهو ( أي حزب الله ) قاعدة عسكرية متقدمة ، وذراع عسكــــري متطاول لإيران متوضع
على تخوم بؤرة ومركز الصراع في منطقة الشرق الأوسط .
لكن على الحزب ( وتاليا إيران ) أن
يدفع الفاتورة للنظام السوري ثمنا للخدمات والإمتيازات التي تقدمها له الجغرافيا
السورية ( وليس التي يقدمها له النظام السوري المجرم ) . وهكذا تحول الحزب
بآلتـــه العسكرية نحو الداخل اللبناني ، وفرض إنقلابا سياسيا أنتج حكومة تابعة كل
مهمتها عرقلة جهود المحكمــة الدولية الخاصة بإغتيال الحريري . تلك المحكمة التي
تمثل سيفـا مسلطا على رقبـة النظام السوري . كمـــا أجبرشيخ الحزب ( خلافا
لقناعاته حسب رأيي ) على رفع عقيرته صراخا في الدفاع عن النظــــام المجرم ( المقاوم
والممانع !!! ) وفي كيل الإتهامات البذيئة للثورة السورية .
لكن إستمرار الثورة المجيدة وتزايد
توهجهــا ، و تصاعد أعـداد الشهداء الأبرار ، مقابل تواصـــل الحملة الوحشية
البربرية التي يشنها النظام المجرم الفاسد على الشعب الأعزل ، دفع بإيران ، وتاليــــا
شيخ حزب الله ، لتخفيف اللهجة ، ليس تعاطفا مع الشعب الثائر ، ولا إستنكارا
لعمليات القمع والترويع . وإنمـــا للإستهلاك الداخلي ، ورغبة في إنقــاذ النظـام
المجـرم من عا قبته الوبيلة المؤكــدة من جهة ، ومن منطـلق البحث في خطوط الرجعة
من جهة أخرى .
فهل يمكن ، بعد هذا الإستعراض ، أن يخطر
في بال أحد أن يفكر في أن هناك تغييرا جوهريــا في موقف السلطة الإيرانية ، وتاليا
حزب الله – بإعتباره تابعا لها – تجاه الثورة السورية المجيدة ؟ إن العلاقـة
المصلحية النفعية الإنتهازية ، البعيدة كليا عن معايير الشرف والقيم والأخلاق ،
القائمة بين النظام المجـرم وكل من إيران
ودميتها حزب الله لاتزال على ماهي عليه من قوة ومتانة ، ولن يطرأ عليها أي تبديل
فعلـي إلا فرضا وإجبارا بسواعد ثوار سورية الأبطال ، عندما ستشتعل سورية من أقصاها
إلى أقصاها ويتهاوى النظام المجرم البربري
تحت ضربات الرجال الصناديد ، بسواعدهم المفتولة ، وهاماتهم المرفوعة وأرواح
الشهداء الأبرار ترفرف فوقهم وتظللهم .
حينئذ سنقول للمتراجعين عن دعم النظام
: " لات حين مندم " .