سياسة النظام السوري المجرم في مواجهة الثورة
رابعا وأخيرا : في إبداء الإستعداد للحوار
لم يسبق للنظام المجرم ، قبل تفجر الأحداث الراهنة ، أن إعترف بأي معارضة لحكمه علـى الإطلاق . كانت الأبواق المأجورة تتهم أي معارض للسلطة بأنه عميل ومرتبط وخائن ومنفذ لأجنـدة خارجية وغير ذلك من التهم الجاهزة دوما للإطلاق رشا ودراكا . ومنذ أن تم وأد ربيع دمشق أوائـل عام ( 2001 ) ، والنظام المجرم يمارس سياسة البطش والملاحقـة بحـق كـل مـن تسول لــه نفســــه معارضة الحكم . كان مجرد إنتقاد النظام في مقابلة تلفزيونية مع فضائية ما ، أو كتابة مقال نقدي فـي وسيلة إعلامية سببا في إعتقال صاحبه وتقديمه لمجكمة أمن الدولة – سيئة الصيت – والزج بـه فــي السجن لسنوات بتهم مضحكة مثل : إضعاف الشعور القومي ، ووهن نفسية الأمة ، والإساءة لسمعـة البلد ، ومثيل ذلك من التهم السخيفة . ولم يتغير واقع الحال قيد شعرة بعد إلغاء محكمة أمن الدولــة ، فالمحاكم المدنية والجنائية المرتهنة لدى النظام قامت بممارسة نفس الدور وأكثر .
الآن ، وبعد أن تفجرت الثورة وتساقط الشهداء بالآلاف ، بدأنا نسمع الأصوات الملحة بالدعوة إلى الحوار الوطني . نفس الأصوات التي كانت ُتخون وُتجرم كل أطياف المعارضة في السابق .الآن أصبح النظام المجرم يدعو إلى الحوار : " تعالوا إلى طاولة الحوار ، قلوبنـا وعقولنـا مفتوحـة لكم !! أيدينا ممدودة بإتجاهكم !! " لكن يجب أن نعلم كيف يفهم النظام هذا الأمر :
- إن أنسب حوار يفضله النظام هو ذلك الذي يجريه مع نفسه !
- وإن لم يتوفر ذلك فمع مجموعة منتقاة من أغنام المعارضة في الداخل .
- و معارضة الخارج خط أحمر ، فهؤلاء جميعا عملاء للإمبريالية والإستعمار .
- أما ممثلي الشعب الحقيقيين من الثوار والناشطين ، فهم مندسـون ومتمـردون مسلحـون وأصوليـون إرهابيون ومخربون وعصابات إجرامية ، وفوق كل ذلك حثالة ورعاع لايمكن الحوار معهم .
- وأهم شيء يناسب النظام في هذا المجال ، أن يتم الحــوار بإسلـوب المماطلــة والتسويف وكســـب الوقت فقد تستطيع آلتـه القمعية ، خلال ذلك ، القضاء على الثورة وعندئذ تنتفي الحاجة كليـــا لأي حوار على الإطلاق ، وكفى الله المؤمنين شر القتال .
في ظل هـذه المنطلقات ، دعت السلطة الغاشمة إلى عقد ما دعي ب " اللقاء التشاوري لمؤتمـر الحوار الوطني " يومي 10-11 من تموز الماضي تحت إشراف نائب رئيس النظام الدمية " فــاروق الشرع " . وجاءت الدعوة إليه منقوصة من أي جهة ممثلة للشعب الثائر ، ومتأخرة أربعة أشهر عــن بدء إندلاع الثورة ، لم يتوقف فيها القتل والتدمير لحظة واحدة ، بل إستمر خلال المؤتمر بحيث طغى صوت الرصاص في الشارع على مناقشات المتحاورين في القاعة . ومع ذلك تسربت تصريحـــــات غاضبة لمسؤولي النظام ناعتة ذلك اللقاء التشاوري ب " اللقاء التآمري " .
وكان من المفروض أن يكون اللقاء تمهيدا لعقد مؤتمر للحوار الوطني . لكن صمتا مريبا أسدل الستار على أي تحرك لمدة شهرين كاملين ، كانت فيهما أعداد الشهداء تتصاعد وتتعاظم . ثم أخــــــذ الإعلام المأجور يتكلم عن عقد مؤتمرات محلية في المحافظات للحوار . وتصوروا معي ذلك الحـوار الذي يمكن أن يجري في محافظات ملتهبة مثل حمص وحماة وإدلب ودير الزور ودرعا واللاذقيــــة وباقي الأرجاء السورية المشتعلة ؟ بالطبع كانت كل تلك المؤتمرات الفرعية مجرد مسرحيات هابطة لا تستحق مجرد الحديث عنها .
اليوم ، بدأنا نسمع عن وجود نية لعقد لقاء تشاوري آخر ! تصوروا معي ، بعد سبعة أشهرعلى إندلاع الثورة الدامية ، وثلاثة أشهر على عقد أول مسعى حواري يفترض فيه أن يكون أحد السبـــــل لإطفاء النار ، تتفتق عبقرية جهابذة النظام عن التفكير الآن في عقد لقاء تشاوري ثان تمهيــدا لعقـــد مؤتمـر حوار وطني شامل في وقت لاحق من المستقبل لا يعلم إلا الله متى سيكون ذلك . وقد تدعـــو الحاجة للقاء تشاوري ثالث ، ومتى ستنتهي هذه الأكذوبة السمجة ؟ لا أحد يدري .
النظـام المجرم الوحشي الفاشي لا يعرف سوى نوع واحد من الحوار فقط : حوار الرصاص والقنابل والمتفجرات . وكل ما يدعيه من إستعداد للحـوار ليس إلا كـذب وتضليـل وخـداع . وحتى لو كان صادقا ( معاذ الله ) فالشعب السوري يرفض رفضا قاطعا أي حوار مع القتلة واللصوص . وقــد أعلنها منذ الأسابيع الأولى للثورة المباركة : لا حوار مع النظام ! وكما قلنا أعلاه بأن النظام لا يعرف سوى لغة الرصاص ، والأمل كبير أن يذيقه الشعب الثائر ، وأبطال الجيش الحر قريبا هذه اللغـة إن شاء الله .
في 30/9/2011 العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم
No comments:
Post a Comment