المعارضة السورية في الخارج
للمعارضة السورية في الخارج قصة ، تثير العجب العجاب . في أقل من أربعـــة أشهر تابع المواطــن السوري بإندهـاش مؤتمرات للمعارضة يمينــــــا وشمالا ، ومجالس وطنيـــــــة وهيــئات ولجان هنــا وهناك ، وتصريحات وبيانات وخطط غطت الأرض والسماء ، وفوق كل ذلك إنتقــادات وتبـــادل للإتهامـــات على الشاشات الفضائية وصفحـات الإعـلام والإنترنت والمواقع الألكترونيـة . ويعجز المواطــن المسكين ، بل حتى الخبير المختــص ، في محاولـــة فهم ما يجري ، وفي التمييـــز والتفريق بين هذا المؤتمر وذاك ، وهذا المجلس وذاك .
وسأحاول فيمــا يلي إستعــادة أحــداث وفصول هـذا القصة المؤسفة بترتيب وتسلسل زمنــي قدر الإمكان ، وبتبسيط سردي حسب القدرة :
1- في البداية ، عقد مؤتمر أنطاليا ( تركيا ) للتغيير . ونتجت عنه هيئـة إستشاريــة إختارت من بيــن أعضائها ما دعي بمكتب تنفيذي . ثم ساد الصمت وتوقفت الحركة . لكن هذا الموتمر أنتج شيئـان في غاية الأهمية والإيجابية : الإقرار بأنه لا يمثل الثورة بل يدعمها . وإحــالة القضايا الخلافيـــة الكبرى المثارة راهنا للشعب السوري ليقول فيها كلمته ، بعد إنتصار الثورة ، من خلال الممارسة الديمقراطيــة النزيهة الشفافة ، ومنها هوية الدولة المقبلة ، وتسميتها ، وأسس دستورها وغيرها .
2- ثم تبعت ذلك عقد مجموعة من المؤتمرات المحلية ، أو الفرعية ، في بلجيكــا والتمســا وفرنســـا التي لم تخرج بشيء جدي أو هام ، لكنها أفسحت المجال لحوارات متعددة في قضايا مختلفة تهـــمَ المواطن السوري والثورة من بعض الزوايا .
3- وجاء المؤتمر السوري للإنقــاذ الذي عقد في إستنبول برئاسة المعارض هيثم المـالح ، وكان مــن المتوقع ، حسب التسريبات من داخل أروقته ، أن يخرج بحكومــة ظل أو منفى ، لكن إشكالات أو إختلافات عدة ، على ما يبدو ، أعاقت ذلك . وعاد المؤتمرون من المولد بلا حمص .
4- بعد ذلك تشاور عدد من المعارضين من أجل تشكيل ما سمي ب " مجلس الحكماء " للثورة ، وتم ترشيح وتسمية عــدد من الشخصيات المعارضـة ، وتم تنظيم لائحة مبدئيـة بالأسماء تضـم حوالي ثلاثين إسما ، لكن هــــذه المبادرة توقفت عند هذا الحد .
5- ثم ُعقد مؤتمر آخر في إستنبول ، بتمويل ورعايـة نفس الجهــة التي مولت أول مؤتمر للمعارضة في أنطاليا . وأنجز المؤتمر أعماله بسرعة بالغــة ، وصدر عنه بيان ختامي من أنقــرة ، أواخــر الشهر الماضي ، وبصوت أحد شباب الثورة ، يتضمن تشكيــل " مجلس وطني إنتقالي " يضم 94 شخصا ، أقـل من نصفهم بقليـــل مــن معارضة الداخــل . وتبين أن منظموا المؤتمر إستفادوا مــن اللائحــة المبدئيـة لمجلس الحكمــاء المقترح ، وأضافـوا عليها مـن عندهم حتى إكتمــل العدد على ما هو عليه . وقد ولد هذا المجلس ميتا أو مات قبل أن يولد . ذلك أنه أثار زوبعة من الإعتراضات وخاصة من حيث الطريقة التي تمت بها عملية إختيار الأسماء . وقد إعترض الكثير من أعضـــاء المجلس على زج أسمائهم دون إستشارة ، بما فيهم رئيسه نفسه .
6- ولم يمضي سوى إسبوعيــن حتى تم الإعلان ، ومن تركيا أيضا ، عن تشكيل " المجلس الوطنــي السوري " من 140 شخصا ذكرت أسماء 71 منهم وأحتفظ بسرية باقي الأسماء لمبررات أمنيـة . ويبــدو أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على هذا المجلس ، لكن المؤشرات تبدو إيجابية حتى الآن ، وخاصــة من حيـث الأسماء الواردة فيه ، وكذلك بعد أن أعلن إتحاد تنسيقيات الثورة ، يوم أمس ، تأييـــــده للمجلس ( بتحفظ ) وإنضمامه إليه .
7- وبين هذا وذاك تشكلت بضعة كيانات سياسية تحت تسميات مختلفة ، لم يحظ معظمها بأي دعاية أو إهتمام .
ويبدو أن هناك خلطا في إطلاق التسميات ، أو في فهــم المصطلحات ، وخاصة فيما يتعــلق بمفهوم " إنتقالي " . فالوضع الذي يتطلب إنشاء كيان إنتقالي ما ينشأ مع أو بعد سقوط النظــــام ، أو فقدانـــــه السيطرة على جزء معتبر من أراضي الدولة . حيث يتطلب ذلك بشكل فوري ضرورة قيام إدارة مؤقتة لشؤون الدولة ، أو الجزء المحرر منها .
لنستفيد من التجربتين المصرية والليبية ( دون أن يعني ذلك إعتمادهما كمثال يحتذى ، فلكــــل بلد أو ثورة مواصفات وظروف ذاتية خاصة تتطلب بالتالي إجراءات مناسبة مختلفة ) .
في مصر سقط النظام ، فتولى المجلس العسكري الأعلى مسؤولية إدارة الدولة بصورة مؤقتــة ( أي أصبح بمثابة مجلس إنتقالي ) وتشكلت بأمره حكومة مؤقتة ( أي بمثابة حكومة إنتقالية ) ريثمـا تنتهي المرحلة الإنتقالية ، ويعهد بالسلطة لصاحبها الشرعي ، الشعب المصري ، من خلال العمليـــة الديمقراطية النزيهة .
في ليبيا تحررت المنطقة الشرقية من سلطة نظام القذافي المجرم ، التي تضم حوالي 40% من الشعب الليبي ، وعشرات المدن والبلدات . وكانت هناك حاجة ملحة لإدارة شؤون تلك المنطقة وتلبية متطلبات مواطنيها ( الأمن والتعليم والصحة والمواصلات ومنشئات النفط والخدمات ....الخ ) فتشكل المجلس الإنتقالي ، الذي ضم شخصيات من كل أنحاء ليبيــا بما فيها تلك المناطــق التي لا تزال تحت سيطرة النظام ، وإنبثق عنه مكتب تنفيذي برئاسة محمود جبريل ( بمثابة حكومة إنتقالية ) للقيام بتلك المهام الإدارية المذكورة أعلاه .
في سورية لم يسقط النظام المجرم بعد ، ولم يفقد السيطرة على أي جـزء من أرض الدولة ، ولا يزال النظام مسيطرا ، ومنظومتـه القمعيـة الوحشيـة متماسكة ، وبالتالي فأمامنا شوط طويــل وعسير وشائك حتى ينشأ مثل ذلك الظرف الذي يتطلب تشكيل كيان إنتقالي من أي نوع أو مستوى .
لكن هناك حاجة ملحة وحيوية ومصيرية في قيام كيان أو هيئة ( والأنسب تسمية مجلس وطني ) في الخارج لتمثيل الثورة السوريــة والشعب السوري الحر أمــام المحافل العربيـة والدوليــة ، ودعـم جهود الثورة في الداخل بكل الطرق والوسائل الممكنة . ينبثـق عنـه مكتب تنفيــذي مصغر أو لجنـــة قيادية ، يتفرغ أعضائها كليا للقيام بمهامهم الوطنية ، ويؤسسون مقرا لهم في دولة قريبة من سوريــة ( ولا يوجد أفضل وأنسب من تركيا ) . وهناك لائحة طويلة بالمهام والجهود والمسؤوليات التي يجب أن يتصدى للقيام بها المجلس المذكور .
ويبدو المجلس الوطني الذي أعلن عن إنشاءه يوم 15 إيلول الحالي مؤهلا ليكون البداية والنواة في هذا العمل الحيوي . ضمن الشروط التالية :
- أن يتـم بشكل مؤكد تمثيل المجلس لقوى الثـورة في الداخل ، أولا وقبل أي أمر آخر . وهــذا يتطلب أن يسارع المحلس الأعلى لقيادة الثورة بإعلان تأييده وإنضمامه وكذلك الهيئة العامة للثورة السوريـة وأي كيان ثوري آخر في الداخل ، كما فعل إتحاد التنسيقيات .
- أن يمثل ، قدر الإمكان ، كل أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج ، والفعــاليات الأخرى دون إقصاء أو إبعاد لأي جهة أو طرف من أي إنتماء أو خلفية عقائدية أو دينية أو إثنية أو طائفية .
- يستثنى من ذلك كل جهة شاركت في النظام المجرم أو تعاونت معه ، سابقـا أو لاحقـا ، بما في ذلك الأفراد . وهذا يشمل ، بالطبع ، المجرم رفعت الأسد وأعوانه ، وجبهة الخلاص ( عبد الحليم خدام )
وأمثال ذلك . ومن نافل القول التفكير بأحزاب الدمى المنضوية في مسخرة ما يدعى بالجبهة الوطنية التقدمية في الداخل .
- وهناك كثير من القضايا الخلافيـة الجزئيـة التي يمكن حلها من خلال العمل والحـوار الخلاق ، ولا داعي للإنشغال بها الآن ، فالمهم في هذه الأوقات العصيبة أن يبدأ العمل الجدي فورا .
بقيت ملاحظة أخيرة لا يمكن إغفالها في هذا السياق ( رغم أن المقال مخصص للحديث عـــن المعارضة السورية في الخارج ) وتتمثل في الضرورة الحيوية لتوحيد كل الكيانات الميدانية الثوريـة فـي الداخل تحت مظلة واحـدة ، بما في ذلك تنظيـم " الجيش السوري الحر " . ذلك إن مشروعيـة أي مجلس وطني ومصداقيته في الخارج لا تستمد إلا من الداخل الثوري الموحد .
فليتكاتف الجميع يدا واحدة في العمل على إنتصار ثورة الشعب السوري المباركة والقضــاء على النظام البربري المجرم الفاسد ، والله الموفق .
في 21/9/2011
العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم
1 comment:
خمسة شهور على تأسيس مجلس وطني سوري مازال يحبو ليلم شمل ابناؤه هي فتره قصيره جدا في عمر الشعوب وخاصة سوريا التي عاشت خمسة عقود من الاستبدا والقتل و الفتك تحت تسلط هذه العصابه الحاكمه التي رسخت التشرذم و روح الشك في المواطن السوري الذي فقد الثقه حتى بأخيه. ...مقال جميل تمنيت لو قمت بتأريخ النقاط الخمس .
Post a Comment