Thursday 18 August 2011

الثورةالسورية في خطر/القسم الثالث

الثورةالسورية في خطر/القسم الثالث




يبدو ان ما كتبته عن قضية الثورة والتدخل الخارجي قد أثار الكثير من الاعتراضات التي شـاب

معظمها – من وجهة نظري – سوء فهم غير مبرر . فقد فهم الكثير ان التدخل الخارجي لن ينتج عنه

سوى إحتلال أجنبي لسورية وهذا مغاير كليا لما قصدته . وبالطبع فإن من فهم الأمر بهذا الشكل

لم يذهب تفكيره إلى أن ذلك الأجنبي سيكون سويسرا أوكوستاريكا أو جزر المالديف ,وإنما إستحضر

فورا صور المآسي التي أرتكبت في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي له عام 2003 وربط بيــــــن

الحالتين العراقية والسورية وقال : ألعياذ بالله .

وأجد نفسي عاجزا عن تفسيرسوء الفهم هذا , فقد كتبت بوضوح ان التدخل الخارجي عبارة عـن

مفهوم ذو مضمون واسع متدرج متصاعد يبدأ بالشجب ثم الادانة فالتهديد للنظام المجرم ويتصـــــاعد

ليشمل العقوبات السياسية كسحب السفراء من دمشق وطرد سفراء النظام وتجميد أو قطع العلاقــــات

الدبلوماسية .ويتضمن أيضا العقوبات الاقتصادية بحق رجال النظام والتي يجب أن لا تسـبب أي أذى

للشعب السوري إلا في الحدود الدنيا .وكذلك تقديم المساعدات الانساسية للسوريين وبالذات للمهجرين

منهم خارج الوطن . وفي قمة هذا السلم يأتي دور إستخدام القوة كفرض حصار بحري على الساحــل

السوري أو إغلاق المنافذ الحدودية البرية وفرض حظر على الطيران في الأجــواء السورية على أن

لا بتضمن ذلك التدخل مهما تصاعد نزول قوات أجنبية على الأرض السورية , فهـذا خـط أحمـــر لا

يجوزتعديه .

وأوضحت أيضا أن كل شكل من أشكال هذا التدخل يجب أن يتناسب مع الحالة القائمة فعلا على

الأرض , فلا يجوز مثلا فرض الحظر الجوي إلا إذا إستخدم النظام المجرم سلاحه الجوي في قصف

المدن السورية ولا الحصار البحري إلا لمنع وصول إمدادات بحرية بالأسلحة والمعدات العسكريــــة

للنظام من قبل الدول المساندة له وهكذ ا .

فكيف - بعد كل هذا الشرح والتفصيل - قفز البعض إلى الاستنتاج بأن التدخل الخارجي لا يعني

سوى الاحتلال الأجنبي لسورية ؟

الثورة السورية في خطر . الشعب السوري مهدد في وجوده . أبناء الشعب العزل يقتلون كل يـوم

بالعشرات بدم بارد ودون تمييز بين رجل وإمرأة وبين طفل وشيخ. الثوار يعتقلون بالمئات كل ساعة

وينكل بهم بأقصى أساليب التعذيب البربرية . البيوت تهدم والممتلكات تدمر والناس تهجر . والنظـام

المجرم مستمر في حملته الوحشية دون أن يردعه رادع . ثم يأتي من يقول لا للتدخل الخارجي !!!

ضعوا أنفسكم مكان الأم التي أفاقت لتجد إبنتها ذات الأعوام الثلاث مقتولــة في سريرها بطلقــة

غادرة من قناص مجرم متمركز على سطح البناء المقابل . أو الأب الذي جلبوا له إبنه اليافع ميتـــــا

وأظافره مقلوعة وجسمه ملون بحروق السجائر والكدمات . أو الأخ الذي دفن أخيه المذبوح فـــــــي

رقبته من الوريد إلى الوريد والمقتلعة حنجرته . أو ذاك الذي قطع لسانه أو بترت يديه أو قدميــــه أو

سلخ جلده أو...او.... ضعوا أنفسكم مكان كل هؤلاء البؤساء , وإستمروا في القول: لا للتدخل الخارجي!!!

في 29 أيار 1945 شنت القوات الفرنسية المحتلة لسورية عدوانا غادرا على المدن السوريــــة

بلغت ذروته في الهجوم على مبنى البرلمان في دمشق استشهد على أثره العشرات من رجال الأمــن

المكلفين بحراسته . في أعقاب ذلك وجه الجنرال ويلسون قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط

إنذارا شديد اللهجة إلى القيادة الفرنسية بالكف فورا عن العدوان . يومها كان لا يزال لبريطانيا وجود

عسكري كبير في المنطقــة في أعقــاب المعارك التي دارت على الأرض الســورية خلال الحـــرب العالمية الثانية وبالتالي فقد أخذت فرنسا ذلك الانذار على محمل الجد وإنصاعت له الأمر الذي أدى

في النهاية إلى جلاء المستعمر الفرنسي عن بلدنا . فهل كان هذا تدخلا خارجيا مرفوضا من قبل

الشعب السوري يومها ؟

في 29/10/1956 شنت بريطانيا وفرنسا وبالتواطؤ مع إسرائيل هجوما غادرا على مصر فيما عرف بالعدوان الثلاثي . وقد نزلت القوات المعتدية في منطقة القناة وإحتلت إسرائيل معظم أراضي سيناء .على أثر ذلك وجه بولغانين رئيس الوزراء السوفييتي آنذاك إنذارا إلى المعتدين وهدد بضرب

لندن وباريس بالصواريخ النووية العابرة للقارات . الأمر الذي أدى في النهاية إلى توقف العدوان

وإنسحاب القوات المعتدية تجر أذيال الخيبة ومرارة الهزيمة . فهل إستنكر أحد في مصر يومها هذا

التدخل الخارجي السافر ؟

بعد أقل من عام على ذلك تصاعدت الضغوط الغربية على الحكومة السورية الوطنية لاجبارها على الانضمام إلى حلف بغداد وإفتعلت تركيا توترا على الحدود المشتركة وحشدت قواتا كبيرة هناك

وهددت بغزو سورية . فما كان من الاتحاد السوفييتي إلا أن حشد بالمقابل قواتــه على حدود تركيـــا

الشمالية وهدد بغزو تركيا إذا قامت بأي عمل عدواني على سورية . فهل كان هذا تدخلا خارجبا غير

مقبول سواء من الشعب السوري أو حكومته ؟

ويخطر في بالي الآن أن هناك إشكال لغوي بسيط . فكلمة " تدخل " تحمل مضمونا سلبيا في

العقل العربي الذي لم يعهد – مع بعض الاستثناءات - سوى التدخلات الخارجية المعادية له المضرة بمصالحه . وقد وجدت حلا يرضي الجميع : المؤيدين للتدخل الخارجي في سبيل إنقاذ الشعب السوري

من هلاك محتمل – وأنا منهم بالطبع – أو المعارضين .

ينمثل هذا الحل في إستبدال مصطلح " التدخل الخارجي " ب " الدعم الخارجي " لذلك أرجو من

القاريء العزيز إجراء هذا الاستبدال أينما ورد في هذا المقال وكل المقالات السابقة ذات الصلة .

الوطن في خطر , الشعب في خطر , الثورة في خطر .

وعلينا أن نتوحد جميعا ليس فقط في قبول الدعم الخارجي بل في طلبه أيضا ومن أية جهة كانت بإستثناء

عدو العرب الأول إسرائيل التي ذكرت سابقا أن الشعب السوري يفضل الموت تحت سلاسل دبــابــات

النظام المجرم على قبول تدخلها . لا بل ان الشعب السوري يعلم حق العلم ان أي تدخل إسرائيلي لن

يكون سوى إلى جانب النظام المجرم ولمصلحته .



في 17/8/2011 عقيل هاشم