Monday 10 October 2011

اللاءات الثـــلاث

The Syrian Revolution 2011 الثورة السورية ضد ب...Image by via Flickr


          في أعقاب المقابلة التي أجريت معي على شاشة الفضائية العربية يوم 6/10 ، تلقيت العــديــد من الإتصالات ، عبر الهاتف والإنترنت وعلى صفحات الشبكة الإجتماعيـــة ، تطالبني بالمزيـد مــن الشرح والتوضيح في موضوع الشعارات التي ترفعها المعارضة السورية ، داخـل وخارج الوطـن ، والمتمثلة بثالوث : لا للعنف ، لا للطائفيـة ، ولا للتدخـل الدولي . ولعــل الكثير من المشاهـدين قــــــد شعروا ، مثلي تماما ، بأن وقت البرنامج المحدود لم يتح لي التعبير الكـافي عـن كل ما يلزم لإضـاءة كافة جوانب هـذا الموضوع الهام جدا . وسأحاول في هذا المقال ، وبإيجاز قــدر الإمكـان ، الإستجابة لطلبات  الإخـوة والأصدقــاء ، وتوضيـح ما غمض من جوانب ، وإستكمــال ما نقص من مضمون ، بحيث يأتي ذلـك مكملا للمقابلــة التلفزيونيـة ورديفــا لها . وهــذا سيضطرني ، بطبيعة الحـــال ، إلى تكرار بعض الأفكــار والنقاط مما يدعوني ، سلفا ، إلى إستسماح القاريء العزيزعذرا .
          وأبدأ بالقول أنه لا يجوز أن يتم ترديــد هـذه الشعارات كالببغــاوات ، والبحث فيهــا وكأنهـــا قـوانين أو مبــاديء منزلة من السماء لا تقبل المس أو التعـديل . بل يجب تناولهــا ضمن الإعتبـارات التالية :
- ربطها ومقارنتها بممارسات النظام المجرم المناقضة لها كليا في كافة المجالات .
- البحث في الخيارات والبدائل الأخرى ، في حال الإضطرار لذلك .
- دراسة كافة جوانبها وتفرعاتها ، والعــواقب السلبيـة والإيجابيـة التي يمكن أن تنتج عنهــا . وهذا ما سأقوم به فيما يلي :
أولا في سلمية الثورة ونبذ العنف : في البدء يجب توضيح الحقيقة المؤكدة بأن الأبطال المنشقون عـن جيش النظام المجرم ، والمنضوون تحت راية الجيش السوري الحر ، غيرمعنيين إطلاقا لا من قريب أو بعيد بسلمية الثورة . فصراعهم مع النظام هو صراع مسلح ضار، صراع موت أو حيـاة ، صرا ع دفاع مشروع عن النفس ، رغــم عدم التكافـؤ الهائـل ، عدديا ونوعيا ، بين الطرفين . مع التنويـه إلى أن هذه الإنشقاقات لم تبــدأ إلا بعـد مرور أكثر من أربعة أشهر على إندلاع الثورة السلمية . 
          وعلى ذلك فإن الثورة المباركة تسير في محورين متوازيين ، كل منهما يكمل الآخر : محـور الحراك الشعبي السلمي الدائر في كافة الساحات والميادين السورية ، ومحور الصراع المسلح الــذي يخوضه صناديد الجيش السوري الحر .
          وقد حافظ الشعب الأعزل ، طيلة سبعة أشهر دامية ، على سلمية الثورة . ودفع من أجـل ذلك أثمانــــا باهظة لا يمكن تصورها ، تمثلت في أكثر من خمسة آلاف شهيـد ، ومثلهـم من المفقــودين ، وأضعاف أضعافهم من المعتقلين والمصابين والمهجرين . بالمقابـل كـان رد فعل النظام المجرم على ذلك الحراك السلمي  المزيد من القتل والتدمير والإجرام .
          ثم أنه ليس من المحتم أن يستمر الحفاظ على سلمية الثورة و نبذ العنف ، عائدا لقرار الثــوار وإرادتهم إلى مالانهاية . فقد تنشأ ظروف وأوضاع قهرية ، ناتجة بطبيعة الحال عن ممارسات النظام المجرم الوحشية ، قد تدفعهم قسرا وإضطرارا للجوء إلى حمل السلاح . رغم علمهم الأكيد بأن هــذا ما يريده النظام تماما . فقدرة النفس البشرية لها حدود في الصبر والضبط والتحمل .
         وعلى ذلك ففي الوقت الذي ينبغي فيه الإستمرار على التقيد بسلمية الثورة ونبـذ العنف ، يجب الإستعداد والتحضير، منذ الآن ، بكل ما يتطلبه ذلك من إجراءات وتدابيرسرية ، لمواجهة الإحتمـــال بنشوء تلك الأوضاع الطارئة التي لا يجد فيها الثوار مفرا من حمل السلاح ، وإلا تعرضوا للفنــــــاء الكامل ، والتصفية الجسدية الشاملة .
ثانيا : في نبذ الطائفية : الشعب السوري الحر ، بتاريخه المجيد ، وبسلوكه الراهن ، يرفض الطائفيـة البغيضة رفضا قاطعا . لكن النظام المجرم يمارس كل الأساليب الطائفية منذ اليوم الأول لوجوده قبل أكثر من أربعين عاما . هنا يجب التوضيح بأن النظام ليس طائفيا بالمعنى المذهبي والعقيـدي ، لأنـــه لا يؤمن بأي مذهب أو ديـن أو عقيـدة سوى البقـاء بالسلطة ، والنهب واللصوصية . ومـن أجـــل ذلك يمارس ، دون قيد أو رادع ، كل هذا القتل والإجرام والتدمير . لكنه يستغل التمييز الطائفي والمشاعر والولاءات الطائفية ، وكل أشكال التجييش والإصطفاف الطائفي ، من أجل تحقيق أهدافه الإجرامية .
وقد نجح ، على مر السنين ، في تلوين مؤسسات الدولة الأمنية والحيوية بصبغة طائفية واضحة لكل مراقب ، كأجهزة الأمن الرئيسية ، وقوات النخبة العسكرية ( الحرس الجمهوري ، وسرايا الدفــاع ، والوحـــدات الخاصة ) وسلك الضباط في الجيش النظامي ، ووسائل الإعلام المتنوعــة ، والمناصب الحساسة في قطاع المال والإستثمار والمؤسسات الإقتصادية وغيرها .
ثالثا : في التدخل الخارجي : في الأشهر الأولى من بدايات الثـورة السلمية ، كان هنـاك شبـه توافـــق ضمني في صفـوف الناشطين والمعارضين ، سواء في الداخـل أو الخـارج ، على رفض التدخـــــــل الخارجي في شؤون الثورة . لكن تصاعد حملة القمع الدموية للنظام المجرم ، وتزايد أعداد الشهــداء والمفقودين والمعتقلين بأرقام فلكية ، ولجوء النظام إلى أساليب وحشية لم يسبق لها مثيل في مواجهة الثورة ، أجبرت الثوار على المطالبة بتدخل المجتمع الدولي . كان الشعب السوري يتعرض لحملـــة تصفية جسدية شاملة ، وجرائم قتل جماعية . ورغم الأهمية البالغة لإستمرار الحراك الشعبي السلمي في الشارع ، وكذلك للصراع المسلح الذي يخوضه أبطال الجيش السوري الحر ، كان واضحا وبينـا للجميع بأن وقف المجزرة الوحشية يتطلب تدخل المجتمع الدولي فورا . وبدون ذلك لا يمكن إنقــــاذ الشعب من مصير مأساوي .
          في البدء طالب الثوار بالحماية الدولية ، وهي بالتأكيد أول وأبسط مستويات التدخل العسكري الخارجي ، وخصصوا يوم جمعة محدد لهذا المطلب . ثم إرتفع السقف للمطالبة ، بكل وضوح وجلاء بالتدخل العسكري الدولي . ومع ذلك إستمر البعض في رفض التدخل الخارجي بشكل قاطع . وكـــان موقف معارضة الداخل الأكثر بروزا في هذا المجال ، وخاصة بعد أن إلتم شملهم ضمن ما سمي ب: " هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي " .
          هنا يجب إلقاء الضوء على بعض النقاط الجوهرية :
1- المطالبة بالتدخــل العسكـري الـدولي أصبح الآن مطلب الثــورة ، وبالتالي فإن من يدعي تمثيــلها عليه الإنصياع لمطالبها ، أو التخلي عن إدعائه الزائف بتمثيلها .
2- التدخل الخارجي يثير رعب النظام المجرم قبل أي جهة أخرى ، وترتعد فرائصه هلعا مـــن هول حدوث هذا الأمر ، وبالتالي فإن أي رفض للتدخل الدولي هو بمثابة تقديم هدية مجانية للنظام .
3- وإستطرادا ، فإن من لا يزال مصرا على ذلك ، هو إما معتوه ساذج ، أو مشبوه مرتبط بالنظـــــام المجرم .
4- إن التهويل من عواقب التدخل الخارجي وتكاليفه الباهظة ، ماديا وبشريا ، لايستند على أي أساس
    علمي وواقعي . كما إن المقارنة بالحالتين العراقية والليبية غير واردة على الإطلاق .
5- ففي العراق كان هناك غزو أجنبي ، بدون طلب الشعب العراقي ، وبذرائع وهمية تبين زيفها فيما  بعد . عدا عن إن إدارة " بوش " الغبية والمتعجرفة والهوجاء كان لهــا الدور الأكبر فيما حصـــل     من مآسي وكوارث في العراق .
6- أما في ليبيـا فالمقارنـة ، رغم الفوارق الشاسعة في الظروف عنها في سوريــة ، تصب في  جانب     تفضيل التدخل الدولي ، وليس ضده . فهاهي ليبيـا ، بعد كل ما حصل : مستقلة ولم تحتل ، موحدة     ولم تقسم ، وخيراتها عادت لصاحبها الشرعي ( الشعب الليبي ) ولم تنهب .
7-و إن أكبر ضمانة فـي أن لا يؤدي التدخل الخارجي لأيـة نتائج لا تحمد عواقبها ، هو في الإصرار على شرط عدم نزول قوات برية أجنبية على التراب السوري الغالي .
          في الختام أرجو أن يكون معلوما للجميع ، بأن سورية الحبيبة اليوم ، بسبب جرائم هذا النظام الباغي ، تواجه أخطارا ماحقة ، ومصيرا مأساويا ، ومستقبلا مظلما ، مالـم يتدخـل المجتمع الدولـــي فورا ، وبالقوة العسكرية المتفوقة ، لضرب هذا النظام المجرم ومنعه من الإستمرار في تنفيذ جريمته الوحشية ، وإقتلاعه من جذوره العفنة ، ورميه في مزبلة التاريخ .


في 10/10/2011                                              العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم                 
Enhanced by Zemanta