Tuesday 13 September 2011

النظــام السوري والعلاقــات الدوليــة : القسم الثالث


FabricaRusiafrom  Wikipedia
 ايام  السوفيتية العظيمة القديمة
القسم الثالث : روسيـــــــا

          تميزت علاقات روسيــا ( الإتحاد السوفييتي سابقــا ) بالعالم العربي ، منذ منتصف القـــــرن الماضي ، بالمتانة والقوة والثبات . وقد دعمت الحكومات السوفييتية المتعاقبة قضايـا التحرر الوطني والتنمية الإقتصاديــة والقـدرة العسكرية ، خلال عقـود ، لمعظم الدول العربيــة . وبالأخص تلك التي كانت تدعى بالأنظمة التقدمية والثورية . والتي تحولت فيما بعد لتصبح من أعتى الأنظمة الإستبداديـة الفاسدة كسورية ومصر والعراق وليبيا والجزائر واليمن والسودان .
          وبإستثناء الإعتراف السوفييتي الفوري بدولة إسرائيل حال قيامهاعام 1948 والذي تـم بتأثير مجموعة من الشيوعيين اليهود المتمتعين بنفوذ كبير في قمة هرم السلطة السوفييتية من جهة ، ولعدم وجود أية علاقات بين الإتحاد السوفييتي آنذاك ومعظم الدول العربية التي كانت ترزح تحت سلطــــة حكومات رجعية موالية للغرب ومعادية لروسيا الشيوعية . ماعدا ذلك فقد تبدلت السياسية السوفييتية جذريا بعد أعوام قليلة ، فأصبحت روسيا المناصر الأول للقضية الفلسطينية ، وللدول العربية المعنية بمواجهة إسرائيل وخاصة سورية ومصر .
          وساعد على ذلك قيام الثورة المصرية عام 1952 وتنامي النفوذ التقدمي في أوساط الحكومة السورية بعد القضاء على حكم أديب الشيشكلي عام 1954 . ومنذ عام 1957 أصبحت روسيا المورد الرئيسي للسلاح والعتاد الحربي لكل من سورية ومصر . الأمر الذي ساعد على تحديث وزيادة حجـم جيشي الدولتين وتطوير قدراتهما القتالية .
         وكذلك الأمر مع العراق في أعقاب القضاء على الحكم الملكي العميل للغرب عام 1958  ومع الثورة الجزائرية بعد إنتصارها عام 1962 . وبعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت روسيــــا الداعم الرئيسي لها سياسيا وعسكريا . وساهم وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963 ( يوم كان حزبا ثوريا تقدميا قبل أن يحوله حافظ الأسد إلى جهاز أمن إنتهازي تابع للسلطة ) في تعزيز وتمتين أواصر العلاقات السوفييتية – العربية إلى حد كبير .
          وقد ساهمت روسيا ، بشكل منقطع النظير ،في النهضة العمرانية والإقتصادية والصناعية في مصر . وقامت ببناء السد العالي في أسوان ، ومجمع مصانع الحديد والصلب في حلوان والعديـد مـن المشاريع التنموية الأخرى . وكذلك  في سورية حيث كانت المعونة السوفييتية المالية والهندسية وراء إنجاز أعظم المشاريع الإقتصادية كسد الفرات وشبكة الخطوط الحديدية ومصانع الفوسفات ومعامــل الكهرباء وميناء طرطوس وغيرها .
         وفي أعقاب نكسة حزيران عام 1976  قطعت روسيا ، ومعها كل دول المعسكر الإشتراكي ، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل . وأعادت تزويد جيشي مصر وسوريا بالسلاح والعتاد الذي فقـــــد في تلك الحرب . وساهمت صفقات السلاح الروسية تلك ليس في تعويض ما فقد فقط ، بل في توسيع حجم جيشي البلدين ، وزيادة قدراتهما القتالية ، وإستيعابهما للأسلحة الحديثــة وخاصة الصاروخيـــة منها الأمر الذي لم يكن بدونه توفر الإمكانية والقدرة على شن هجوم مشترك على إسرائيل في حرب تشرين عام 1973 .
          وتكرر الأمر خلال وبعد تلك الحرب  فقامت روسيا بتعويض كل الخسائر من السلاح والعتاد والذخيرة التي دمرت أوأستهلكت في القتال . وعندما خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار على جبهــــة قنـاة السويس يــوم 22/10/1973 وهددت الجيش المصري الثالث بالتطويق ، قامت روسيا بحشــــد سبعـة فـرق مجوقـلة ( محمولة جوا ) في المطارات القريبة من منطقة القتال وهددت  بالعمل، منفردة وخارج أطـار مجلس الأمن الدولي ، وإرسال هذه القوات إلى مصرلإجبار إسرائيل على التقيد بقـرار وقف النار . وتكرر نفس الأمر خلال حرب لبنــان عام 1982 عندما تأزم موقف القوات السورية في  تلك الحرب وطوق قسم منها في بيروت ( اللواء 85 مشاة ) فأبدت روسيا إستعدادها لإرسال قـــوات  عسكرية لمساعدة الجيش السوري .
           تواصل الدعم السوفييتي للعرب ومناصرة قضاياهم العادلــة ، لأربعة عقــود دون توقف  ، وفي كافة المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية . ولن تتسع عشرات الصفحــات لإيراد كــــل حيثيــــات  ذلك الدعم ، وما أوردته هنا مجرد غيض من فيض ، وجزء من كل ، وكمثال فقــط على تلك العلاقــة الرائعة ، ولتبيان الفرق الهائل بين مواقف روسيا الأمس وروسيا اليوم .
          فقد إنقلب كل ذلك  رأسـا على عقب بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي عام 1989 .  لقد إنتهى هذا الحلم الجميل الطويل ، وأفـــاق العرب على روسيا جديــدة مختلفة كليا . وقد تجلت أول مظاهــر ذلك التغيير في أعقـاب الغزو العراقي للكويت عام 1990 عندما لم تمانع روسيا ( بل أيدت ) قيام أمريكــا  وحلفائها الغربيين والإقليميين بشن تلك الحملـة العسكريـة الضاريـة التي عـرفت بعاصفـة الصحـراء  والتي دمر فيها معظم السلاح والعتاد العراقي الروسي الصنع .
           لقد وقفت الحكومة الروسية في البدء مع القذافي المجرم ضد الشعب الليبي الحر ، وإستمرت على ذلك الموقف المستهجن لفترة طويلة ، وعارضت العقوبات ومحاولات التدخــل ، ولم تتراجع إلا بعد أن تأكدت أن نظام القذافي إلى زوال . وكان أقصى مافعلته أنها لم تستخدم حــق الفيتــو ضد قرار مجلس الأمن الذي سمح للناتــو بالتدخـل العسكري . وبقيت لشهور تنتقــد بإستمرار عمليـــات الحلف وتعتبرها مخالفة للقرار وتجاوزا لمضمونه . وها هي الآن تحاول اللحاق بالركب العالمي والحصول على قسم من الكعكة الليبية .
            أما في سورية فالأمر مختلف جدا من وجهة النظر الروسية . فالنظام لايزال متماسكا وقويا عسكريا ومسيطرا على كامل أرجاء الدولة . وعلى ذلك فروسيا تدعـم النظــام المجـرم بكل طاقاتهــا وإمكانياتها . وقدنجحت حتى الآن في عرقلة إصدار قرار من  مجلس الأمن بأبسط لهجة ممكنة . كأن يتضمن إدانة للنظام أو شجب لتصرفاته ، أوفرض عقوبات عسكرية أوإقتصادية عليه . وبالمناسبـــة فإن كل العقوبات المفروضة على النظـــام حاليا تمت بمبادرات فردية ، وخارج نطاق مجلس الأمن ، من قبل أمريكا ودول الإتحاد الأوربي . لكن في حال صدور قرار بها من مجلس الأمن ، فإنها تصبح ملزمة لجميع الدول بما في ذلك روسيا والصين .
           ولا يزال هناك شوط طويل وشائك وعسير حتى يرفع مجلس الأمن سقف فعالياتـه ، ويتمكن من إصدار قرار بالتدخل العسكري . وبالأساس فإن فكـرة التدخـل هـذه لا تزال غير ناضجـة ، وغير متفق عليها كليا داخل أروقة السياسة الأمريكية والأوروبية بعد . عدا عن إن الفروق بين الحـالتيـــــن السورية والليبية ، وفي كل المجالات ، أكثر من أن تعد أو تحصى . ولا يمكن المقـارنة بين الحــالتين بأي شكل من الأشكال .
          ولا يوجد ما يدعو روسيا حاليا لتغيير موقفها ولو جزئيا ، سوى إن تصاعدت عمليات القتـــل الوحشي والتعـذيب البربري والتدميـر المنهجي التي يمارسهـا النظـام المجرم بحق الشعب السوري . وهذا ما دفع بروسيا ، مؤخرا ، إلى تغيير بسيط في لهجتها ( وليس في موقفها ) . وبدأت تساوي بين الجلاد والضحية في أحدث تصريح لرئيسها يوم أمس .
          لكن يبقى محتملا أن تكرر روسيا في سورية نفس السيناريو الذي إتبعته تجاه ليبيا ، وتبدأ في التراجع عن مواقفها خطوة خطوة . وهذا يتوقف على حدوث أحد الأوضاع أو الحالات التالية :
- إنفلات سيطرة قبضة النظام الحديدية على الموقف في سورية .
- حدوث إنشقاقات عميقة في قمة النظام أو في قيادة القوات المسلحة أو الأمنية .
- إرتكاب النظام لمجازر قتل جماعية يذهب ضحيتها المئات في فترة قصيرة من الزمن .
- سيطرة الثوار على مساحة كبيرة من الأراضي على تخوم دولة مجاورة وصديقة للثورة .
- إستخدام النظام المجرم لسلاحه الجوي في قصف التجمعات البشرية .
           لكن ما الذي يدفع بالحكومة الروسية لإتخاذ هذا الموقف المستهجن المعادي للشعب السوري والمماليء  للنظام ؟ للإجابة على ذلك يمكننا إيراد المبررات التالية ( طبعا من وجهة النظرالروسيــة  وليس من دواعي الحق والعدالة والإنسانية ) :
- للإستهلاك الداخلي . فالحكومة الروسية تحاول الظهور أمام شعبها بمظهــرأن روسيا دولــة عظمى   وقويــة تقارع أمريكـا وتعارضها في المواقف والسياســات ( كما كانت أيام الإتحاد السوفييتي ) ولا   تسير في ركابها وتخضع لمشيئتها . وقد تكرر هذا المسلك في مسألة برنامج إيران النووي ،وحرب  البلقان ، والأزمة الكورية ، وغيرها .
- ويزيد من أهمية عامل الإستهلاك هذا كون البلاد مقدمة على إنتخابات رئاسية يتنافس فيها كــل من   رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية . حيث يحاول كل منهما الظهور بمظهر الأكثر تشددا وقــوة في   معارضته للسياسة الأمريكية . 
- كما تستخدم الحكومة الروسية هذا الأسلوب في إبتزاز أمريكا والغرب للحصول على إمتيازات أو    مساعدات أو صفقات مقابل التخلي عن مواقفها المتشددة . ومنها على سبيل المثال محاولات روسيا
  لكي تعدل أمريكا عن مشروع إنشاء حائط الصواريخ المضادة للصواريخ المزمــع نشره في بعض  دول أورويا الشرقية المتاخمة لروسيا .
- كما إن لروسيا مصالح إقتصاديــة مع النظام السوري الفاسد . بالإضافة إلى أن الجيش السوري لا    يزال معتمدا كليا على السلاح الروسي . وفي ضوء الإقتصاد الروسي الضعيف فإن مبيعات السلاح   تعتبر مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل القومي . ناهيك عن أن سورية تدفع ثمن السلاح لروسيــــا   حاليـا مقدمـا ونقـدا وبالقطع الأجنبي ، خلافا لما كان عليه الحال أيــام الإتحاد السوفييتي ، وهو مــا   بينته بالتفصيل في المقال السابق .
- يبقى أن روسيا ترغب أن يكون لها نفوذ ووجود في أي مكان يتاح لها في العالم ، ولسورية موقــــع   جغرافي متميز ، وأهمية سياسية بالغة ، ولها تأثير بارز في أهم منطقة في العالم .
- وأخيرا فإن النظام السوري يقدم تسهيلات لوجستية بالغة الأهمية للأسطول الروسي العامــــل شرق   المتوسط . ولا نستطيع أن نجزم بوجــود قاعدة عسكرية بحرية روسية في سوريــة . وعلى الأغلب   فإن هناك مناطق 
 مخصصة للبحرية الروسية في كل من مينائي اللاذقية وطرطوس .
     

Soviet MiG-29 Fulcrum fighter aircraft in 1989.

 Image via Wikipedia


وفي الختام فمن الواضح أن الحكومة الروسية تمارس منهجا براغماتيا إنتهازيا مصلحيا إبتزازيا بعيدا عن كل المباديء والقيم ، وهذا كله يفسر الموقف الروسي الحكومي من الثورة السورية ، لكنــه موقف قابل للتبدل مع كل هبة ريح من هنا أو هناك . وإن أهم عامل في المعادلة السورية الآن والذي يستطيع أن يفرض تغيير الموقف الروسي ( وتاليا مواقف المجتمع الدولي ومجلس الأمن والحكومات العربية والإسلامية ) يتمثل في إستمرار الثورة السورية وإزدياد إشتعالها وتوسع رقعتها . إن مصيـر سورية ومستقبلها في يد أبنائها الأبطال الذين يضحون كل يوم وكل ساعة بأرواحهم وممتلكاتهم وكل  غالي ونفيس في سبيل الوطن .

في 13/9/2011                       
                           العميد الركن المتقاعد  عقيل هاشم   
Enhanced by Zemanta

النظـــام الســوري والعلاقـات الدوليــــة : لقسم الثاني


القسم الثاني : إيران مرة أخرى



               شاهدت قبل أيــام حلقــة من برنامج قناة الجزيرة " حديث الثورة " وكــان قسم كبيـــر منهـــــا مخصص للحديث عن العلاقات بين النظامين السوري والإيراني . وحتى لا أتهم بالتحيز للمعارضة ، أبــدأ بالتعرض لما قاله المعارض البارز السيد هيثم المالح عن وجود حملة تشييع صفوية تقوم بها المؤسســــات  الإيرانية الدينية في سورية مبينا إستغرابي الشديد لأقواله في هذا الصدد فقط ، مع تأييدي لكل ما قاله عــدا ذلك . وحتى لو كان هذا صحيحا ( وهناك بعض المؤشرات على وجود شيء من هذا القبيل ) فليس الوقــت ولا المكان كانا مناسبين لمثل هذا الحديث . والضرر كبير من مثل هذه المعالجة ، وهذا ما تلقفه المحـاوران المعبران عن وجهة النظر الإيرانية في تلك الحلقة فإتهما السيد المالح ، وتاليا ثوار سورية ، بالطائفية .
               إن الثورة السورية هي ثورة الشعب السوري بكل مكوناتــه وطوائفــه ضد النظــام المجرم بكل مكوناته وطوائفه . وبالأساس فإن النظــام المجرم لا يؤمن بأي عقيـدة دينيــة أو مذهب سوى الإجــــــــرام والقتـــــل واللصوصية والفساد . وحملة التشييع هــذه ، إن وجدت ، فهي لا تحظى بأي تجــاوب كمـــي أو نوعـي . وليس لها أي دلالة أو قيمة عملية بالنسبة لمصالح إيران الإستراتيجية في المنطقة . ولم يكن السيد المالح موفقـا في إتباع هذا النهج الذي يعزز الإتهامات المغرضة بأن الثـورة في سورية هي ثورة طائفــــة معينــة بالذات ، أو موجهة ضد طائفة معينة بالذات .
               وأريد أن أوضح هنا ، بهذه المناسبة وبشكل قاطـع ، أنه لا يوجـد أدنى مستوى من التقــارب أو التماثل أو التوافق المذهبي العقيدي بين الشيعة والعلويين . والعلاقة بين إيران والنظام السوري لا تدور أبدا في هذا الفلك ، وإنما ، كما هو مفترض ، في أطار المصالح الإستراتيجية المتبادلة .
              يحقـق النظــام السوري لإيران فوائـد حيويـة على أصعــدة مختلفة . فهو ، أولا وقبل كل شيء ، مجـال حيوي  لنفوذهـــا الإقليمي على المستوى السياسي . وهـذا لا يحتاج لشرح أو تأكيــد فكل دول العــالم  تحاول توسيع مناطق نفوذها السياسية . حتى إن الدول الكبرى ، كالولايات المتحدة مثلاَ ، تسعى لأن يشمل نفوذها كل بقاع الكرة الأرضية ، بإعتبار " أنه لا توجد بقعة في العالم لا توجد فيها مصالح حيوية لأمريكا" كما قال وزير دفاعها الأسبق " روبرت مكنمارا " في ستينات القرن الماضي .
              لكن الأهم من النفوذ السياسي لإيران يتمثل في الفــوائد الإسترتيجيـة – العسكريــة التي تحصــل عليها من التحالف مع النظام السوري المجرم . إن إيران مهددة - بسبب برنامجها النووي - بضربة جويــة صاروخية شاملة من قبــل التحالف الغربي و/ أو إسرائيل . والأرض السوريــة تعتبر بمثـابة خط الدفــــاع الأمـامي لإيران في مواجهة مثل هذه الضربـة . وقـد لوحـظ في الأعوام الأخيرة تمركز قواعــد صواريــخ إيرانية أرض – أرض متوسطة المدى في سورية ( لا يمكن لهذه الصواريخ أن تطال إسرائيل لو توضعت ضمن حدود إيران ) . وكذلك قواعد صواريخ أرض – جو مضادة للطائرات .
            بالمقابـل تحصل سوريـة على بعض الفوائـد من خلال إشتراك الخبـراء الإيرانيــون في صيانــــة وتطويرألأسلحة والمعدات الحربية السورية ، وتنفيذ المناورات العسكرية المشتركة ، وتدريب الطيـــــارين في المعاهد الإيرانية ، بالإضافة للقروض والهبات النقديــة التي تستخدم لتعزيز تسليح الجيش السوري حتى يقوم بواجبه المقدس في قتل أبناء الشعب السوري بأفضل وتيرة ممكنة .
            وقد تضاعفت إحتياجات النظام السوري للمساعدة الإيرانية ، في المجال العسكري ، بعـد إنهيـــار الإتحاد السوفييتي الذي كان دعمه لسورية في كل المجالات ، وخاصة في المجال العسكري – الإستراتيجي على أعلى مستوى . كان الجيش السوري يحصل على السلاح الروسي بأرخص الأسعار وبالتقسيط المريـح جدا ، وكان إستحقاق دفع أول قسط يبدأ بعد عشرة سنوات ، وأحيانا بعد عشرين ، من تاريخ إستلام صفقــة الأسلحة . وكانت الدفع يتم بالمقايضة عن طريق تصدير البضائع السورية المرغوبة في روسيا  كالأقمشــة القطنية والسجائر وغيرها من المنتجات. وقد تلاشت كل هــذه الإمتيازات والتسهيلات بعــد سقوط الإتحــاد السوفييتي . وأصبح لزاما على الجيش السوري أن يدفع ثمن السلاح الروسي مقدما وبالسعر الكامل وبالنقد الأجنبي . لذلك أصبحت الحاجة ماسة للتحول نحو إيران ، كبديل جزئي قدر الإمكان ، للتعويض .
           يبقى موضوع حزب الله العامل الأكثر أهمية في العلاقات السورية - الإيرانية حيث تشكل الأرض السورية صلة الوصل الجغرافية بين إيران والحزب ، وشريان الحياة أو رئة التنفس له . ولا يمكن تصــور مدى الأهمية الحيوية السياسية والعسكرية من وجود حزب الله في لبنان بالنسبة لإيران . فهو إمتداد سياسي أثمر ، أخيرا ، عن تحويل لبنان إلى منطقة نفوذ إيرانية لتتكامل وتتواصل هذه المنطقة جغرافيا من إيــــران مرورا بالعراق وسورية وإنتهاءا بلبنان . وهو ( أي حزب الله ) قاعدة عسكرية متقدمة ، وذراع عسكــــري متطاول لإيران متوضع على تخوم بؤرة ومركز الصراع في منطقة الشرق الأوسط .
           لكن على الحزب ( وتاليا إيران ) أن يدفع الفاتورة للنظام السوري ثمنا للخدمات والإمتيازات التي تقدمها له الجغرافيا السورية ( وليس التي يقدمها له النظام السوري المجرم ) . وهكذا تحول الحزب بآلتـــه العسكرية نحو الداخل اللبناني ، وفرض إنقلابا سياسيا أنتج حكومة تابعة كل مهمتها عرقلة جهود المحكمــة الدولية الخاصة بإغتيال الحريري . تلك المحكمة التي تمثل سيفـا مسلطا على رقبـة النظام السوري . كمـــا أجبرشيخ الحزب ( خلافا لقناعاته حسب رأيي ) على رفع عقيرته صراخا في الدفاع عن النظــــام المجرم ( المقاوم والممانع !!! ) وفي كيل الإتهامات البذيئة للثورة السورية .
          لكن إستمرار الثورة المجيدة وتزايد توهجهــا ، و تصاعد أعـداد الشهداء الأبرار ، مقابل تواصـــل الحملة الوحشية البربرية التي يشنها النظام المجرم الفاسد على الشعب الأعزل ، دفع بإيران ، وتاليــــا شيخ حزب الله ، لتخفيف اللهجة ، ليس تعاطفا مع الشعب الثائر ، ولا إستنكارا لعمليات القمع والترويع . وإنمـــا للإستهلاك الداخلي ، ورغبة في إنقــاذ النظـام المجـرم من عا قبته الوبيلة المؤكــدة من جهة ، ومن منطـلق البحث في خطوط الرجعة من جهة أخرى .             
          فهل يمكن ، بعد هذا الإستعراض ، أن يخطر في بال أحد أن يفكر في أن هناك تغييرا جوهريــا في موقف السلطة الإيرانية ، وتاليا حزب الله – بإعتباره تابعا لها – تجاه الثورة السورية المجيدة ؟ إن العلاقـة المصلحية النفعية الإنتهازية ، البعيدة كليا عن معايير الشرف والقيم والأخلاق ، القائمة بين النظام المجـرم  وكل من إيران ودميتها حزب الله لاتزال على ماهي عليه من قوة ومتانة ، ولن يطرأ عليها أي تبديل فعلـي إلا فرضا وإجبارا بسواعد ثوار سورية الأبطال ، عندما ستشتعل سورية من أقصاها إلى أقصاها  ويتهاوى النظام المجرم البربري تحت ضربات الرجال الصناديد ، بسواعدهم المفتولة ، وهاماتهم المرفوعة وأرواح الشهداء الأبرار ترفرف فوقهم وتظللهم .
          حينئذ سنقول للمتراجعين عن دعم النظام : " لات حين مندم " .


في 12/9/2011                                                          العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم