Thursday 29 September 2011

سياسة النظام السوري المجرم في مواجهة الثورة

سياسة النظام السوري المجرم في مواجهة الثورة
ثالثا : في إدعاء الإصلاحات الوهمية
        
  تابع النظام المجرم ، دون كلل ولا ملل ، التشدق بالإصلاحات التي أنجزها . ويتكـرر الحــديث الممجوج ، على لسان مسؤولي النظام وأبواقه المأجورة ، عن الإصلاحات العديدة التي قام بها النظـــام حتى الآن ، وعن خططه للقيام بالمزيد منها ، في المستقبل القريب ، في محاولة للإيهام بأنه ماضٍ فـــي في عزمه على تحقيق كل مطالب الشعب المشروعة والمحقة ، وبالتالي فما الداعي لكل هذه المعارضـة والإنتفاضة والتظاهرات .
          وتشارك في هـذه الإسطوانة المشروخـة محطات تلفزيون فضائيـة ، ووسائل إعـلام متنوعــة ، عربية وعالمية . تردد في تقاريرها ( عن غباء أو سذاجـة أو قصد ) أخبـار هـذه الإصلاحات الموهومة وتطرح التساؤلات عما إذا كـان من الأفضل إعطـاء النظـام المجرم الفرصة لكي يتابـع وُيكمــل مسيرة الإصلاحات المزعومة تلك .
         والأنكى من ذلك ، أن تقوم حكومات ومنظمات بترديد نفس الإسطوانة ، فتصدر البيانات داعيـة إلى المزيد من الإصلاحات ، معتبرة أن الأمل لا يزال معقودا على النظام المجرم ورئيسه السفاح ،لكي يقود مسيرة الإصلاح المزعومة تلك .
         ونحن نتفهم دواعي الحياد المهني والموضوعية الصحفية التي تدفـع بوسائل الإعلام تلك لسلوك هــذا النهج . وكـذلك دواعي المصالح السياسية والإقتصادية للـدول المعنيـة بالمسألـة السوريـة . وأيضا متطلبات المصالح الإنتخابيـة والسياسات الداخلية لهـا . ونفهم أيضـا التخوفـات من مجاهيل ما يمكن أن تؤدي إليه الثورة السورية مستقبلا ، وتأثير ذلك على المحيط الإقليمي .
         إلا أنه لا شيء ، على الإطـلاق ، يبرر تأييد النظام السوري الشمولي المجرم ، أو مسايرته ، أو تلميع صورته القبيحـة ، أوحتى السكوت عنه بينما هو ماضٍ في إرهاب وقمع الشعب السوري الأعزل وقتل أبناءه ، وتدمير ممتلكاتهم ، والزج بعشرات الآلاف منهم في السجون وتعذيبهم ، وممارسة أبشــع الأساليب البربرية الوحشية ، ثم يدعي أنه يقوم بالإصلاح !! فما هي الحقيقة في كل ذلك ؟
         بداية ، يجب توضيـح الحقائـق الثابتـة التاليـة :
1- النظام السوري غير قادر على القيام بأي إصلاح جدي حقيقي فعلي مهما صغر شأنه ، قولا واحدا .  ليس متردد أو متباطيء أو غير راغب في الإصلاح ، بل عاجزأصلا عن ذلك . لأن النظـام هوالعلٌـــة والمشكلة بالأساس ، وأي إصلاح جدي لايمكن أن يتم إلا بسقوط النظـام المجرم وزوالــه . هو ورأسـه وعصاباته و سلطته وأجهزة أمنه وحزبه ومؤسساته ودستوره وقوانينه وكل ما يمت إليه بصلة .
2- لم تبدأ وتتسارع وتيرة الحديث المزعوم عـن الإصلاح إلا بعد إنفجـارثـورة الشعب السوري العظيم المباركة . ولولا ذلك لما كان هناك كلام عن أي إصلاح على الإطـلاق . إن كافة تلك الإصلاحات التي يتشدق بها النظام اليوم ، كانت قد ذكرت في مقررات المؤتمر القطري العاشر للحزب الحاكم الذي عقد عام ( 2005 ) ، ثم بقيت لأكثر من ستة أعوام حبيسة أدراج السلطة حتى تم نفض الغبار عنها مؤخرا .
3- ويلاحظ بوضوح رفع النظام المجرم لسقف إصلاحاته المزعومة مع تفاقم ثورة الشعب وإزديادهــــا إشتعالا وعنفوانا . فالمحرمات التي كـان لا يجوز مجرد الحديث عنها كالمـادة الثامنـة ( سيئة الصيت ) من الدستور أصبح واردا أن يتم التفكير في تعديلها أو إلغائها ( نلاحظ هنا ، بعد سقوط أكثر من خمسـة آلاف شهيد ، أننا لا نزال في مرحلة التفكير في ... والحديث عن...) هذه المادة التي ينسف وجودها أي جدوى من قانون الإنتخابات المزعوم ، وشقيقه قانون الإحزاب الموهوم .
4- حتى بعد إقرار النظام المجرم لبعض القوانين المسماة إصلاحية ، فهذا لا جدوى منه على الإطلاق . أولا لأنها صيغت بطريقة تجعلها فارغة من المضمون كليا ، وهو ما سيتم شرحه لاحقا في سياق هــــذا المقال . وثانيا ، وهذا هـو الأهم ، وبإفتراض كونها ذات مضمون مثالي ، فلن يغير هـذا من واقع الأمر قيد أنملة . لأن سورية ، في ظل حكم العائلة المجرمة الفاسدة منذ اكثر من أربعة عقود من السنين ، هي دولـة غير قانونيـة . يعني أنه لا قيمـة عملية لأي دستور ، جديـد أو معـدل ، ولا لأي قوانيـن ملحقـة بـه مهمـا تضمنت من إصلاحات موعودة . ذلك إن السلطة ، في أي وقت ولأي سبب ، قادرة على خرقهــا وعـدم التقيد بها متى شاءت . ولا توجد سلطة قضائية مستقلة في سورية ، والقضاء تابع كليا للسلطـــــة التنفيذية . وبالتالي فالمحكمة الدستورية العليا هي شكل بلا مضمون لا تهش ولا تنش .
        بعد هذا التمهيد ، لنبحث الآن في الإصلاحات التي يتغنى بها النظام المجرم ، وزعرانه و أبواقـه المأجورة دون هوادة :
أولا : رفع حالة الطواريء : وهذه فعلا أكبر نكتة قيلت في هذا الصدد ، لكنها نكتة سمجة مؤذية وقاتلة. في كل دول العالم ، لاسيما الديمقراطية منها ، هنـاك قوانين دائمـة للطواريء . يتـم بموجبها ، ولفتــرة مؤقتة ، فرض حالة الطواريء في البلاد عندما تدعو الحاجة الماسة لذلك ، وخاصة في حالات الحرب أو الإضطرابات أو الكوارث الطبيعية ، ثم يتم إلغائها بعد زوال الأسباب الموجبة . أما في سورية فقــد بقيت البلاد تعيش تحت ظل قانون الطواريء منذ نصف قرن . وعندما  ُرفعت حالة الطواريء مؤخرا قتلت أجهزة السلطة المجرمة ، في اليوم التالي مباشرة ، حوالي ( 120 ) مواطنـا في مختلف أنحـــــاء البلد ، وإعتقلت أكثر من ألفي متظاهر . وها هي الأعداد اليوم ، وبعد ثلاثة أشهر ، قد تجاوزت خمسـة آلاف شهيد ، وعشرون ألف معتقل ، دون ذكر أعداد المفقودين ومجهولي المصير. وكل ذلك تم في ظل رفع حالــة الطواريء . فأي رفع للطواريء هذا ؟ 
         يفترض ، بعد إلغاء حالة الطواريء ، أن لا يتــم إعتقال أي إنسان إلا بموجب مذكرة قضائيـة ، ولمـدة مؤقتـة ، ريثما يتـم عرضه على القاضي المختص ليقـرر وجــوب محاكمته أو إطلاق سراحه . فهل حدث هذا الأمر في سورية ؟ طبعا لا .
ثانيا : قانون الإرهاب المزمع إصداره : يتحدث مسؤولي النظام المجرم عن النيــة في إستبدال قانــــون الطواريء بقانون عصري آخر يدعى" قانون الإرهاب " إسوة بما هو معمول به في الولايات  المتحدة  ( هاهي أمريكـا ، الدولة الإمبريالية الإستعمارية ، المتآمرة دومـا على سوريـة ، المساندة دون هـــوادة للصهيونية وإسرائيل ، تصبح مثالا يحتذى لدى النظام المقاوم والممانع ! ) ولا أحد يدري متى سيصدر هذا القانون ، وكيف سيكون مضمونه ، ولا داعي للعجلة ، فنحن ننشد " السرعة ولبس التسرع " كمــا قال حكيم عصره وجهبذ جيله السفاح بشار .
ثالثا : قانون حق التظاهر : صدر هذا القانون على الورق فعلا ، وكانت هذه نهاية المطاف في الواقـع . ألا تريدون التظاهر ؟ ها قد أصدرنا لكم قانونا ( على الورق ) يسمح لكم بالتظاهر ( لكن على الـــورق أيضا ) . وقد تغنى أبواق النظام بأن مثيله معمول به في كل ديمقراطيات أوربا ، لكن ما غفلوا عنـه أن  تلك القارة العجوز قد تم شطبها من خارطة العالم بقرار جريء من وزير خارجية النظام الهُمام " وليد المعلم " . وبالعودة لذلك القانون الذي يضـع شروطا تعجيزية لمن تسول له نفسـه التفكيربالتظاهر ، فقد حاول البعض إستخدام حقهم القانوني بموجبه ، وتقدموا بطلبات للجهات الأمنية المختصة للسماح لهـــم بتنظيم مظاهرات ، فكان مصيرهم الإعتقال الفوري ، ومصير طلباتهم سلة المهملات .
رابعا : قانون الأحزاب : لا بد من الإعتراف بعبقرية الذين قاموا بصياغة هذا القانون ، لأنه يضع  كل ما يخطر في البال من عقبـات في وجه تشكيل أحزاب جديدة . هذا عـدا عن إن القانـون لا معنى لـه ولا
فائدة منه ولا قيمة عملية ناتجة عنه بوجود المادة الثامنة في الدستور. لكن ما غفـل عنـه هؤلاء العباقرة هو أن نصوص القانون ، إذا طبقت ، تستوجب على الفور سحب ترخيص حزب البعث الحاكم ومنعـــه من مزاولة نشاطه لأن له فروع في دول أخرى ، ويمتلك ميليشيا مسلحة . وهو ما حظره القانون إياه . وصدقوني إن حصل هذا ، فسيكون الإصلاح الوحيد الذي يحسب للنظام المجرم .
خامسا : قانون الإنتخابات : وينطبق عليه كل ما ذكر أعلاه عن شقيقه قانون الأحزاب . فليس هناك أي معنى لإنتخابات ، بوجود المادة الثامنة إياها في الدستور،لأنها لن تؤدي إلى تداول السلطة ، وهــو أول ركائز الديمقراطية الحقة . ثم إن الإنتخابات النزيهة تتطلب وجود سلطة قضائية نزيهة ومستقلة ، الأمر المعدوم كليا في سورية . وبالتالي فلن ينتج عن أي إنتخابات تجري تحت ظل هذا القانون ، وأي قانون آخر ، سوى مجلس نيابي معلب من دمى خشبية هتافة ، ككل ما عرفته سورية من المجالس طيلــــــــة العقود الخمسة الماضية .   
سادسا : التغييرات في المناصب الحكومية والأمنية : من نافل القول إيلاء تغيير الحكومة أي أهميــــة . فالحكومـة في سوريـة لا تحكم ، ووزرائها مجرد موظفون صغار لدى السلطة ، لا ناقة لهم ولا جمـل . ويستطيع أي ضابط أمـن أن يتدخل في عمـل أي وزبر ويفرض عليـه ما يشاء . وإذا كانت الحكومـــــة السابقة هي مصدر العلة والمشكلة ، فلماذا لم يقدم أعضائها للمحاكمة والمساءلة ؟ وينطبق نفس الأمـــر على المحافظين الثلاث الذين تمت إقالتهم . أما ضباط الأمن الذين تسببوا ، بغباء وعنجهية ، في تفجيـر الأحـداث فقـد نقلوا إلى مراكز أخرى مهمـة دون أي محاسبة . ثم من قـال بأن تغيير عـدد محدود مـــن الأشخاص يعتبر إصلاحا في مؤسسة سلطوية غاشمة تزخر بالآلاف من المجرمين والفاسدين، مؤسسة لا يمكن إصلاحها إلا بإقتلاعها من جذورها كاملة ورميها في مزبلة التاريخ .
سابعا : يتشدق النظام يرغبته المخلصة في الحوار مع قوى المعارضة ، ويعتبر ذلك ضمن إنجازاتــــه الإصلاحية . وهذا ما سنفنده في المقال القادم والأخير من سلسلة المقالات التي نتحدث فيها عن سياســة النظـام المجرم في مواجهة الثورة السورية المباركة .
         وأخيرا ماذا بعد ؟ يمكننا الإستطراد إلى ما لا نهاية للتأكيد على أن إصلاحات النظام المزعومة تلك الإسطوانة المشروخة ، ما هي إلا أوهام خيالية ، وأضاليل كاذبة ، ودعايات ممجوجة . فالنظام كما أسلفنا في المقدمة ، عاجز عن أي إصلاح مهما صغر شأنه . وهو ماض دون هوادة في ممارسة أبشــع أنواع القمع الوحشي ، والإستخدام المفرط للقوة الغاشمة ، والتصدي البربري لجماهير الشعب الثائـــرة التي تنادي بصوت واحد هادر : الشعب يريد إسقاط النظام . أما النظام المجرم ، كما هو واضح فلا يريد سوى إسقاط الشعب وإفناءه . والمواجهة ستستمر إلى نهاية المطاف ،ولن ينتصر في النهايــــة - كما تعلمنا حقائق التاريخ - سوى الشعب  .


في 29/9/2011                                                  
 العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم