Tuesday, 13 September 2011

النظــام السوري والعلاقــات الدوليــة : القسم الثالث


FabricaRusiafrom  Wikipedia
 ايام  السوفيتية العظيمة القديمة
القسم الثالث : روسيـــــــا

          تميزت علاقات روسيــا ( الإتحاد السوفييتي سابقــا ) بالعالم العربي ، منذ منتصف القـــــرن الماضي ، بالمتانة والقوة والثبات . وقد دعمت الحكومات السوفييتية المتعاقبة قضايـا التحرر الوطني والتنمية الإقتصاديــة والقـدرة العسكرية ، خلال عقـود ، لمعظم الدول العربيــة . وبالأخص تلك التي كانت تدعى بالأنظمة التقدمية والثورية . والتي تحولت فيما بعد لتصبح من أعتى الأنظمة الإستبداديـة الفاسدة كسورية ومصر والعراق وليبيا والجزائر واليمن والسودان .
          وبإستثناء الإعتراف السوفييتي الفوري بدولة إسرائيل حال قيامهاعام 1948 والذي تـم بتأثير مجموعة من الشيوعيين اليهود المتمتعين بنفوذ كبير في قمة هرم السلطة السوفييتية من جهة ، ولعدم وجود أية علاقات بين الإتحاد السوفييتي آنذاك ومعظم الدول العربية التي كانت ترزح تحت سلطــــة حكومات رجعية موالية للغرب ومعادية لروسيا الشيوعية . ماعدا ذلك فقد تبدلت السياسية السوفييتية جذريا بعد أعوام قليلة ، فأصبحت روسيا المناصر الأول للقضية الفلسطينية ، وللدول العربية المعنية بمواجهة إسرائيل وخاصة سورية ومصر .
          وساعد على ذلك قيام الثورة المصرية عام 1952 وتنامي النفوذ التقدمي في أوساط الحكومة السورية بعد القضاء على حكم أديب الشيشكلي عام 1954 . ومنذ عام 1957 أصبحت روسيا المورد الرئيسي للسلاح والعتاد الحربي لكل من سورية ومصر . الأمر الذي ساعد على تحديث وزيادة حجـم جيشي الدولتين وتطوير قدراتهما القتالية .
         وكذلك الأمر مع العراق في أعقاب القضاء على الحكم الملكي العميل للغرب عام 1958  ومع الثورة الجزائرية بعد إنتصارها عام 1962 . وبعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت روسيــــا الداعم الرئيسي لها سياسيا وعسكريا . وساهم وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963 ( يوم كان حزبا ثوريا تقدميا قبل أن يحوله حافظ الأسد إلى جهاز أمن إنتهازي تابع للسلطة ) في تعزيز وتمتين أواصر العلاقات السوفييتية – العربية إلى حد كبير .
          وقد ساهمت روسيا ، بشكل منقطع النظير ،في النهضة العمرانية والإقتصادية والصناعية في مصر . وقامت ببناء السد العالي في أسوان ، ومجمع مصانع الحديد والصلب في حلوان والعديـد مـن المشاريع التنموية الأخرى . وكذلك  في سورية حيث كانت المعونة السوفييتية المالية والهندسية وراء إنجاز أعظم المشاريع الإقتصادية كسد الفرات وشبكة الخطوط الحديدية ومصانع الفوسفات ومعامــل الكهرباء وميناء طرطوس وغيرها .
         وفي أعقاب نكسة حزيران عام 1976  قطعت روسيا ، ومعها كل دول المعسكر الإشتراكي ، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل . وأعادت تزويد جيشي مصر وسوريا بالسلاح والعتاد الذي فقـــــد في تلك الحرب . وساهمت صفقات السلاح الروسية تلك ليس في تعويض ما فقد فقط ، بل في توسيع حجم جيشي البلدين ، وزيادة قدراتهما القتالية ، وإستيعابهما للأسلحة الحديثــة وخاصة الصاروخيـــة منها الأمر الذي لم يكن بدونه توفر الإمكانية والقدرة على شن هجوم مشترك على إسرائيل في حرب تشرين عام 1973 .
          وتكرر الأمر خلال وبعد تلك الحرب  فقامت روسيا بتعويض كل الخسائر من السلاح والعتاد والذخيرة التي دمرت أوأستهلكت في القتال . وعندما خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار على جبهــــة قنـاة السويس يــوم 22/10/1973 وهددت الجيش المصري الثالث بالتطويق ، قامت روسيا بحشــــد سبعـة فـرق مجوقـلة ( محمولة جوا ) في المطارات القريبة من منطقة القتال وهددت  بالعمل، منفردة وخارج أطـار مجلس الأمن الدولي ، وإرسال هذه القوات إلى مصرلإجبار إسرائيل على التقيد بقـرار وقف النار . وتكرر نفس الأمر خلال حرب لبنــان عام 1982 عندما تأزم موقف القوات السورية في  تلك الحرب وطوق قسم منها في بيروت ( اللواء 85 مشاة ) فأبدت روسيا إستعدادها لإرسال قـــوات  عسكرية لمساعدة الجيش السوري .
           تواصل الدعم السوفييتي للعرب ومناصرة قضاياهم العادلــة ، لأربعة عقــود دون توقف  ، وفي كافة المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية . ولن تتسع عشرات الصفحــات لإيراد كــــل حيثيــــات  ذلك الدعم ، وما أوردته هنا مجرد غيض من فيض ، وجزء من كل ، وكمثال فقــط على تلك العلاقــة الرائعة ، ولتبيان الفرق الهائل بين مواقف روسيا الأمس وروسيا اليوم .
          فقد إنقلب كل ذلك  رأسـا على عقب بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي عام 1989 .  لقد إنتهى هذا الحلم الجميل الطويل ، وأفـــاق العرب على روسيا جديــدة مختلفة كليا . وقد تجلت أول مظاهــر ذلك التغيير في أعقـاب الغزو العراقي للكويت عام 1990 عندما لم تمانع روسيا ( بل أيدت ) قيام أمريكــا  وحلفائها الغربيين والإقليميين بشن تلك الحملـة العسكريـة الضاريـة التي عـرفت بعاصفـة الصحـراء  والتي دمر فيها معظم السلاح والعتاد العراقي الروسي الصنع .
           لقد وقفت الحكومة الروسية في البدء مع القذافي المجرم ضد الشعب الليبي الحر ، وإستمرت على ذلك الموقف المستهجن لفترة طويلة ، وعارضت العقوبات ومحاولات التدخــل ، ولم تتراجع إلا بعد أن تأكدت أن نظام القذافي إلى زوال . وكان أقصى مافعلته أنها لم تستخدم حــق الفيتــو ضد قرار مجلس الأمن الذي سمح للناتــو بالتدخـل العسكري . وبقيت لشهور تنتقــد بإستمرار عمليـــات الحلف وتعتبرها مخالفة للقرار وتجاوزا لمضمونه . وها هي الآن تحاول اللحاق بالركب العالمي والحصول على قسم من الكعكة الليبية .
            أما في سورية فالأمر مختلف جدا من وجهة النظر الروسية . فالنظام لايزال متماسكا وقويا عسكريا ومسيطرا على كامل أرجاء الدولة . وعلى ذلك فروسيا تدعـم النظــام المجـرم بكل طاقاتهــا وإمكانياتها . وقدنجحت حتى الآن في عرقلة إصدار قرار من  مجلس الأمن بأبسط لهجة ممكنة . كأن يتضمن إدانة للنظام أو شجب لتصرفاته ، أوفرض عقوبات عسكرية أوإقتصادية عليه . وبالمناسبـــة فإن كل العقوبات المفروضة على النظـــام حاليا تمت بمبادرات فردية ، وخارج نطاق مجلس الأمن ، من قبل أمريكا ودول الإتحاد الأوربي . لكن في حال صدور قرار بها من مجلس الأمن ، فإنها تصبح ملزمة لجميع الدول بما في ذلك روسيا والصين .
           ولا يزال هناك شوط طويل وشائك وعسير حتى يرفع مجلس الأمن سقف فعالياتـه ، ويتمكن من إصدار قرار بالتدخل العسكري . وبالأساس فإن فكـرة التدخـل هـذه لا تزال غير ناضجـة ، وغير متفق عليها كليا داخل أروقة السياسة الأمريكية والأوروبية بعد . عدا عن إن الفروق بين الحـالتيـــــن السورية والليبية ، وفي كل المجالات ، أكثر من أن تعد أو تحصى . ولا يمكن المقـارنة بين الحــالتين بأي شكل من الأشكال .
          ولا يوجد ما يدعو روسيا حاليا لتغيير موقفها ولو جزئيا ، سوى إن تصاعدت عمليات القتـــل الوحشي والتعـذيب البربري والتدميـر المنهجي التي يمارسهـا النظـام المجرم بحق الشعب السوري . وهذا ما دفع بروسيا ، مؤخرا ، إلى تغيير بسيط في لهجتها ( وليس في موقفها ) . وبدأت تساوي بين الجلاد والضحية في أحدث تصريح لرئيسها يوم أمس .
          لكن يبقى محتملا أن تكرر روسيا في سورية نفس السيناريو الذي إتبعته تجاه ليبيا ، وتبدأ في التراجع عن مواقفها خطوة خطوة . وهذا يتوقف على حدوث أحد الأوضاع أو الحالات التالية :
- إنفلات سيطرة قبضة النظام الحديدية على الموقف في سورية .
- حدوث إنشقاقات عميقة في قمة النظام أو في قيادة القوات المسلحة أو الأمنية .
- إرتكاب النظام لمجازر قتل جماعية يذهب ضحيتها المئات في فترة قصيرة من الزمن .
- سيطرة الثوار على مساحة كبيرة من الأراضي على تخوم دولة مجاورة وصديقة للثورة .
- إستخدام النظام المجرم لسلاحه الجوي في قصف التجمعات البشرية .
           لكن ما الذي يدفع بالحكومة الروسية لإتخاذ هذا الموقف المستهجن المعادي للشعب السوري والمماليء  للنظام ؟ للإجابة على ذلك يمكننا إيراد المبررات التالية ( طبعا من وجهة النظرالروسيــة  وليس من دواعي الحق والعدالة والإنسانية ) :
- للإستهلاك الداخلي . فالحكومة الروسية تحاول الظهور أمام شعبها بمظهــرأن روسيا دولــة عظمى   وقويــة تقارع أمريكـا وتعارضها في المواقف والسياســات ( كما كانت أيام الإتحاد السوفييتي ) ولا   تسير في ركابها وتخضع لمشيئتها . وقد تكرر هذا المسلك في مسألة برنامج إيران النووي ،وحرب  البلقان ، والأزمة الكورية ، وغيرها .
- ويزيد من أهمية عامل الإستهلاك هذا كون البلاد مقدمة على إنتخابات رئاسية يتنافس فيها كــل من   رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية . حيث يحاول كل منهما الظهور بمظهر الأكثر تشددا وقــوة في   معارضته للسياسة الأمريكية . 
- كما تستخدم الحكومة الروسية هذا الأسلوب في إبتزاز أمريكا والغرب للحصول على إمتيازات أو    مساعدات أو صفقات مقابل التخلي عن مواقفها المتشددة . ومنها على سبيل المثال محاولات روسيا
  لكي تعدل أمريكا عن مشروع إنشاء حائط الصواريخ المضادة للصواريخ المزمــع نشره في بعض  دول أورويا الشرقية المتاخمة لروسيا .
- كما إن لروسيا مصالح إقتصاديــة مع النظام السوري الفاسد . بالإضافة إلى أن الجيش السوري لا    يزال معتمدا كليا على السلاح الروسي . وفي ضوء الإقتصاد الروسي الضعيف فإن مبيعات السلاح   تعتبر مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل القومي . ناهيك عن أن سورية تدفع ثمن السلاح لروسيــــا   حاليـا مقدمـا ونقـدا وبالقطع الأجنبي ، خلافا لما كان عليه الحال أيــام الإتحاد السوفييتي ، وهو مــا   بينته بالتفصيل في المقال السابق .
- يبقى أن روسيا ترغب أن يكون لها نفوذ ووجود في أي مكان يتاح لها في العالم ، ولسورية موقــــع   جغرافي متميز ، وأهمية سياسية بالغة ، ولها تأثير بارز في أهم منطقة في العالم .
- وأخيرا فإن النظام السوري يقدم تسهيلات لوجستية بالغة الأهمية للأسطول الروسي العامــــل شرق   المتوسط . ولا نستطيع أن نجزم بوجــود قاعدة عسكرية بحرية روسية في سوريــة . وعلى الأغلب   فإن هناك مناطق 
 مخصصة للبحرية الروسية في كل من مينائي اللاذقية وطرطوس .
     

Soviet MiG-29 Fulcrum fighter aircraft in 1989.

 Image via Wikipedia


وفي الختام فمن الواضح أن الحكومة الروسية تمارس منهجا براغماتيا إنتهازيا مصلحيا إبتزازيا بعيدا عن كل المباديء والقيم ، وهذا كله يفسر الموقف الروسي الحكومي من الثورة السورية ، لكنــه موقف قابل للتبدل مع كل هبة ريح من هنا أو هناك . وإن أهم عامل في المعادلة السورية الآن والذي يستطيع أن يفرض تغيير الموقف الروسي ( وتاليا مواقف المجتمع الدولي ومجلس الأمن والحكومات العربية والإسلامية ) يتمثل في إستمرار الثورة السورية وإزدياد إشتعالها وتوسع رقعتها . إن مصيـر سورية ومستقبلها في يد أبنائها الأبطال الذين يضحون كل يوم وكل ساعة بأرواحهم وممتلكاتهم وكل  غالي ونفيس في سبيل الوطن .

في 13/9/2011                       
                           العميد الركن المتقاعد  عقيل هاشم   
Enhanced by Zemanta

النظـــام الســوري والعلاقـات الدوليــــة : لقسم الثاني


القسم الثاني : إيران مرة أخرى



               شاهدت قبل أيــام حلقــة من برنامج قناة الجزيرة " حديث الثورة " وكــان قسم كبيـــر منهـــــا مخصص للحديث عن العلاقات بين النظامين السوري والإيراني . وحتى لا أتهم بالتحيز للمعارضة ، أبــدأ بالتعرض لما قاله المعارض البارز السيد هيثم المالح عن وجود حملة تشييع صفوية تقوم بها المؤسســــات  الإيرانية الدينية في سورية مبينا إستغرابي الشديد لأقواله في هذا الصدد فقط ، مع تأييدي لكل ما قاله عــدا ذلك . وحتى لو كان هذا صحيحا ( وهناك بعض المؤشرات على وجود شيء من هذا القبيل ) فليس الوقــت ولا المكان كانا مناسبين لمثل هذا الحديث . والضرر كبير من مثل هذه المعالجة ، وهذا ما تلقفه المحـاوران المعبران عن وجهة النظر الإيرانية في تلك الحلقة فإتهما السيد المالح ، وتاليا ثوار سورية ، بالطائفية .
               إن الثورة السورية هي ثورة الشعب السوري بكل مكوناتــه وطوائفــه ضد النظــام المجرم بكل مكوناته وطوائفه . وبالأساس فإن النظــام المجرم لا يؤمن بأي عقيـدة دينيــة أو مذهب سوى الإجــــــــرام والقتـــــل واللصوصية والفساد . وحملة التشييع هــذه ، إن وجدت ، فهي لا تحظى بأي تجــاوب كمـــي أو نوعـي . وليس لها أي دلالة أو قيمة عملية بالنسبة لمصالح إيران الإستراتيجية في المنطقة . ولم يكن السيد المالح موفقـا في إتباع هذا النهج الذي يعزز الإتهامات المغرضة بأن الثـورة في سورية هي ثورة طائفــــة معينــة بالذات ، أو موجهة ضد طائفة معينة بالذات .
               وأريد أن أوضح هنا ، بهذه المناسبة وبشكل قاطـع ، أنه لا يوجـد أدنى مستوى من التقــارب أو التماثل أو التوافق المذهبي العقيدي بين الشيعة والعلويين . والعلاقة بين إيران والنظام السوري لا تدور أبدا في هذا الفلك ، وإنما ، كما هو مفترض ، في أطار المصالح الإستراتيجية المتبادلة .
              يحقـق النظــام السوري لإيران فوائـد حيويـة على أصعــدة مختلفة . فهو ، أولا وقبل كل شيء ، مجـال حيوي  لنفوذهـــا الإقليمي على المستوى السياسي . وهـذا لا يحتاج لشرح أو تأكيــد فكل دول العــالم  تحاول توسيع مناطق نفوذها السياسية . حتى إن الدول الكبرى ، كالولايات المتحدة مثلاَ ، تسعى لأن يشمل نفوذها كل بقاع الكرة الأرضية ، بإعتبار " أنه لا توجد بقعة في العالم لا توجد فيها مصالح حيوية لأمريكا" كما قال وزير دفاعها الأسبق " روبرت مكنمارا " في ستينات القرن الماضي .
              لكن الأهم من النفوذ السياسي لإيران يتمثل في الفــوائد الإسترتيجيـة – العسكريــة التي تحصــل عليها من التحالف مع النظام السوري المجرم . إن إيران مهددة - بسبب برنامجها النووي - بضربة جويــة صاروخية شاملة من قبــل التحالف الغربي و/ أو إسرائيل . والأرض السوريــة تعتبر بمثـابة خط الدفــــاع الأمـامي لإيران في مواجهة مثل هذه الضربـة . وقـد لوحـظ في الأعوام الأخيرة تمركز قواعــد صواريــخ إيرانية أرض – أرض متوسطة المدى في سورية ( لا يمكن لهذه الصواريخ أن تطال إسرائيل لو توضعت ضمن حدود إيران ) . وكذلك قواعد صواريخ أرض – جو مضادة للطائرات .
            بالمقابـل تحصل سوريـة على بعض الفوائـد من خلال إشتراك الخبـراء الإيرانيــون في صيانــــة وتطويرألأسلحة والمعدات الحربية السورية ، وتنفيذ المناورات العسكرية المشتركة ، وتدريب الطيـــــارين في المعاهد الإيرانية ، بالإضافة للقروض والهبات النقديــة التي تستخدم لتعزيز تسليح الجيش السوري حتى يقوم بواجبه المقدس في قتل أبناء الشعب السوري بأفضل وتيرة ممكنة .
            وقد تضاعفت إحتياجات النظام السوري للمساعدة الإيرانية ، في المجال العسكري ، بعـد إنهيـــار الإتحاد السوفييتي الذي كان دعمه لسورية في كل المجالات ، وخاصة في المجال العسكري – الإستراتيجي على أعلى مستوى . كان الجيش السوري يحصل على السلاح الروسي بأرخص الأسعار وبالتقسيط المريـح جدا ، وكان إستحقاق دفع أول قسط يبدأ بعد عشرة سنوات ، وأحيانا بعد عشرين ، من تاريخ إستلام صفقــة الأسلحة . وكانت الدفع يتم بالمقايضة عن طريق تصدير البضائع السورية المرغوبة في روسيا  كالأقمشــة القطنية والسجائر وغيرها من المنتجات. وقد تلاشت كل هــذه الإمتيازات والتسهيلات بعــد سقوط الإتحــاد السوفييتي . وأصبح لزاما على الجيش السوري أن يدفع ثمن السلاح الروسي مقدما وبالسعر الكامل وبالنقد الأجنبي . لذلك أصبحت الحاجة ماسة للتحول نحو إيران ، كبديل جزئي قدر الإمكان ، للتعويض .
           يبقى موضوع حزب الله العامل الأكثر أهمية في العلاقات السورية - الإيرانية حيث تشكل الأرض السورية صلة الوصل الجغرافية بين إيران والحزب ، وشريان الحياة أو رئة التنفس له . ولا يمكن تصــور مدى الأهمية الحيوية السياسية والعسكرية من وجود حزب الله في لبنان بالنسبة لإيران . فهو إمتداد سياسي أثمر ، أخيرا ، عن تحويل لبنان إلى منطقة نفوذ إيرانية لتتكامل وتتواصل هذه المنطقة جغرافيا من إيــــران مرورا بالعراق وسورية وإنتهاءا بلبنان . وهو ( أي حزب الله ) قاعدة عسكرية متقدمة ، وذراع عسكــــري متطاول لإيران متوضع على تخوم بؤرة ومركز الصراع في منطقة الشرق الأوسط .
           لكن على الحزب ( وتاليا إيران ) أن يدفع الفاتورة للنظام السوري ثمنا للخدمات والإمتيازات التي تقدمها له الجغرافيا السورية ( وليس التي يقدمها له النظام السوري المجرم ) . وهكذا تحول الحزب بآلتـــه العسكرية نحو الداخل اللبناني ، وفرض إنقلابا سياسيا أنتج حكومة تابعة كل مهمتها عرقلة جهود المحكمــة الدولية الخاصة بإغتيال الحريري . تلك المحكمة التي تمثل سيفـا مسلطا على رقبـة النظام السوري . كمـــا أجبرشيخ الحزب ( خلافا لقناعاته حسب رأيي ) على رفع عقيرته صراخا في الدفاع عن النظــــام المجرم ( المقاوم والممانع !!! ) وفي كيل الإتهامات البذيئة للثورة السورية .
          لكن إستمرار الثورة المجيدة وتزايد توهجهــا ، و تصاعد أعـداد الشهداء الأبرار ، مقابل تواصـــل الحملة الوحشية البربرية التي يشنها النظام المجرم الفاسد على الشعب الأعزل ، دفع بإيران ، وتاليــــا شيخ حزب الله ، لتخفيف اللهجة ، ليس تعاطفا مع الشعب الثائر ، ولا إستنكارا لعمليات القمع والترويع . وإنمـــا للإستهلاك الداخلي ، ورغبة في إنقــاذ النظـام المجـرم من عا قبته الوبيلة المؤكــدة من جهة ، ومن منطـلق البحث في خطوط الرجعة من جهة أخرى .             
          فهل يمكن ، بعد هذا الإستعراض ، أن يخطر في بال أحد أن يفكر في أن هناك تغييرا جوهريــا في موقف السلطة الإيرانية ، وتاليا حزب الله – بإعتباره تابعا لها – تجاه الثورة السورية المجيدة ؟ إن العلاقـة المصلحية النفعية الإنتهازية ، البعيدة كليا عن معايير الشرف والقيم والأخلاق ، القائمة بين النظام المجـرم  وكل من إيران ودميتها حزب الله لاتزال على ماهي عليه من قوة ومتانة ، ولن يطرأ عليها أي تبديل فعلـي إلا فرضا وإجبارا بسواعد ثوار سورية الأبطال ، عندما ستشتعل سورية من أقصاها إلى أقصاها  ويتهاوى النظام المجرم البربري تحت ضربات الرجال الصناديد ، بسواعدهم المفتولة ، وهاماتهم المرفوعة وأرواح الشهداء الأبرار ترفرف فوقهم وتظللهم .
          حينئذ سنقول للمتراجعين عن دعم النظام : " لات حين مندم " .


في 12/9/2011                                                          العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم  
 

Saturday, 10 September 2011

النظام السوري والعلاقات الدولية : القسم الأول



 القسم الأول : إيران 
        الحديث عن العلاقة بين النظامين السوري والايراني يستتبع بالضرورة الحديث عن حزب الله وكذلك - ولو بشكل مختصر - عن العلاقة بين النظام السوري والحكومتين العراقية واللبنانية بإعتبار
أن هناك خيطا متينا يربط هذه الكيانات الخمسة بعضها ببعض في الوقت الراهن .
        حظيت الثورة الاسلامية الايرانية التي قامت عام 1979 بتأ ييد شعبي وجماهيري كبيرين على
الساحتين العربية والاسلامية , خاصة بعد قطع العلاقات مع إسرائيل , وإعلانها عن دعــم القضيــــة الفلسطينية ومقاومتها للتوجهات الغربية الاستعمارية . وقد كافأها صدام حسين على ذلك بشنه حربــا
ظالمة على إيران أدت لمقتل ما يزيد عن مليوني إنسان من الطرفين ولم تخدم سوى مصالح الولايات
المتحدة وإسرائيل اللتان كانتا على علاقات وثيقة مع نظام الشاه البائد .
        في تلك الحرب - وخلافا لما هو عليه الحال الآن -  دعم النظام السوري إيران بشكل منقطــــع
النظير وفي كافة المجالات العسكرية والسياسية . ليس بدوافع الحق والعدالة, وإنما من منطلق العـداء الشرس بين النظامين البعثيين السوري والعراقي , والحقد والكره المتبادلين بين الزعيمين الدموييـــن
المقبورين حافظ الأسد وصدام حسين .
        وقد أنشأت القيادة السورية خلال تلك الحرب محطات رصد ألكتروني على الحدود العراقيــــة
لمراقبة تحركات القوات العراقية وتزويد إيران بكل المعلومات المتوفرة عنها.وتم تشغيل جسر جوي
بين البلدين لنقل الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية . حتى أنه مرت فترة فرغت فيها مستودعات
الجيش السوري من ذخيرة المدفعية كليا .
       وجاءت النقلة النوعية في العلاقات بين سورية وإيران في حقبة التسعينات من القرن الماضـي
بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي الحليف والداعم الرئيسي لسورية , وبعد تعافي إيران من الحرب التــي
إنتهت عام 1988 , وإستعادتها لقدراتها العسكرية والصناعية والمالية . وحلول الوقت لكي تقـــــوم
إيران برد الجميل للنظام السوري . وبذلك أصبحت الحليف الأوثق لسورية .
        في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ولاحقا إغتيال الحريري وجد النظامان السوري
والايراني نفسيهما في مواجهة إخطار ماحقة كل لأسبابه الخاصة . إيران بسبب برنامجهـــــا النووي
وسورية بسبب إتهامها في مقتل الحريري . وكان وجود قوات ضخمة أمريكية وبريطانية في العراق
خطرا لا يمكن تجاهله . ولم يكن عسيرا على كلا النظامين الاستنتاج بأن دوام الاضطرابات وأعمال
القتل والتخريب في العراق هو السبيل الوحيد لتجنب أية أخطار وتهديدات . وهكذا توافق الطرفــــان
على إشعال نار الحرب الأهلية والفتنة الطائفية في العراق . وبما يخالف كل المباديء والقيم قــــــام
النظام السوري بتجهيز وتسليح الآلاف من عناصر القاعدة والمتطرفين الأصوليين ودفعهم للعمل في
العراق لتنفيذ أعمال القتل الطائفي تحت غطاء مقاومة الاحتلال . بالمقابل دفع النظام الايراني بجيش
المهدي ( مقتدى الصدر ) للقيام بأعمال القتل الطائفي المعاكس . وكانت النتيجة سقوط مئات الآلاف
من الضحايا المدنيين العراقيين .
          وكان مطلوبا أيضا إشعال الساحتين اللبنانية والفلسطينية . وكان هذا امرا متيسرا في لبنـــــان
بوجود حزب الله الذي حول ترسانته العسكرية والسياسية بإتجاه الداخل اللبناني ونجح أخيرا بإيجــــاد
حكومة خاضعة لسيطرته كل مهمتها عرقلة جهود المحكمة الدولية ومنعها من القيام بمهمتها . أما في
فلسطين فقد أوكلت المهمة لحماس الممولة من قبل إيران لكي تشق الصف الوطني الفلسطيني وهو ما
نجحت فيه بإمتياز .
         كان النظام السوري يتمتع - زورا وبهتانا - بصفات الوطنية والممانعة والمقاومة حتى إنطلقت
شرارة الثورة السورية لتعريه كليا ولتبينه على حقيقته المؤكدة كنظــام ديكتاتوري إرهــابي لصوصي فاسد ومجرم . وقد توقعت القيادة الايرانية أن يتمكن النظام السوري خلال بضعة أيام – وعلى الأكثر أسابيع - من القضاء على هذه الثورة التي كانت بنظرها مجرد إضطرابات مدفوعة من قبل جهـــــات
أجنبية شبيهة لما حدث في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
         لكن ذلك لم يتحقق رغم وقوف النظام الايراني بكل زخم وراء النظام السوري ووضعه لكــــل
إمكانياته المالية والمادية وحتى البشرية بتصرفه ( ولا نجزم هنا بشكل قاطع بإشتراك عناصر مـــــن
الحرس الثوري الايراني في قمع المظاهرات في سورية ) فقد إستمرت الثـــورة وإزدادت  توهجــــا وتوسعت لتشمل كامل الرقعة الجغرافية السورية الأمر الذي جعل القيادة الايرانية تعيد حساباتها بعـد
أن دخل عامل جديد على الموقف يتمثل في الرأي العام الايراني .
        لم يعد الشعب في إيران يتقبل ما يجري في سورية , وقد هاله كل ذلك القتل والتدمير , ان مقتل
الآلاف وإعتقال عشرات الآلاف وتدمير المساجد والبيوت والممتلكات أمرا لا يمكن أن يســـتوعب أو
يفهم تحت أي ظرف من الظروف . وتدور نفس الهواجس في أوساط بعض رجال السلطة .
        ان القيادة الايرانية – مثلها مثل أي سلطة حاكمة في العالم – تفكر( ويجب أن تفكر) بمنظـــور عملي براغماتي . وهي الآن مجبرة – في ضوء إستمرار الثورة السورية - أن تضع في إعتبارهــــا إحتمال أن يسقط النظام  عاجلا أم آجلا . وهي لا تريد أن تتخلف وراء الأحداث , وعليها أن تفكـــــر
منذ الآن بالبدائل وخطوط الرجعة وهذا الذي يفسر تغير الخطاب الرسمي الايراني مؤخرا والحدـيث عن ان القتل يجب أن يتوقف وأن على النظام السوري أن يتحاور مع شعبه إلى آخر ما يرد في هــذه
الأسطوانة الجديدة .
         وقبل أن يسيء أحد ما فهم هذا الموقف الجديد الايراني ويقفز إلى الاستنتاج بأن هناك تبــــدلا
جوهريا فيه أسارع للقول بأن العلاقة المصلحية بين النظامين السوري والايراني لا تزال متماسكــــة
وقوية وأن هذا التبدل قد يكون موجها للاستهلاك الداخلي وانه حتما غير ناتج عن غيرة على الدمــاء
الزكية التي تسفح كل يوم في شوارع وساحات سورية بقدر ما هو إستنكار لغوغائية وسوء تصــرف
وغباء الطغمة الحاكمة في سورية .
        أما في لبنان فأنني أجزم بأن حسن نصر الله وقيادة حزب الله لا يحملون في قرارة أنفسهـــم أي
إحترام أو ود للنظام السوري المجرم لكنهم مرغمين – بحكم المصلحة البحتة – على إقامة أوثــــــــق
العلاقات معه بإعتبار أن سورية هي الرئة التي يتنفس منها حزب الله وهي شريان الحياة الذي يوصل
للحزب كل الدعم الايراني الحيوي من أموال وأسلحة وتجهيزات وحتى بالقوى البشرية .
        وقيادة حزب الله الآن تعدل في خطابها الرسمي - كما هو الأمر في إيران - للاستهلاك المحلي
وهو أمر أكثر إلحاحا بإعتبار روابط الأخوة التي لا يمكن أن تنفصم بين الشعبين السوري واللبنـــاني
ولا يزال أهل الجنوب اللبناني يتذكرون جليا البيوت والصدور التي فتحت لهم أثناء عدوان تمـــــــوز
الاسرائيلي الغادر .
         كما أن حسن نصر الله لديه دافع آخر من منطلق شخصي بحت , فهو يدرك أن جماهيريتـــــه
وشعبيته التي وصلت إلى عنان السماء في سورية وتجاوزت الحدود الطائفية قد بدأت تتهاوى وتندثر
بل وإنقلبت إلى سخط وغضب وإستنكار . وهو قبل كل الناس بأمس الحاجة لتبديل مواقفه . وعندمــا
يدرك الحزب الحقيقة التي عمي عنها طويلا بأن الرئة السورية لا تتمثل في النظام المجرم وإنما في الشعب السوري , فإنه سيتراجع عن مواقفه السابقة بشكل معكوس كليا .
         يتبقى أن نعرج قليلا على موقفي حكومة العراق الخاضعة كليا للسيطرة الايرانية والحكومــة
اللبنانية القابعة في أحضان النظام السوري فهما حكومتي أجراء وأتباع ليس لهما في القـــــرار شيء
وسيدفعان يوما ما ثمن التبعية والخنوع والاستذلال .
في 8/9/2011                                                   العميد الركن المتقاعد  عقيل هاشم
         

          

   
 

Friday, 9 September 2011

الحمــــاية الدوليــــــة


        يتسائل الكثيرون , داخل وخارج سورية , عن مغزى تسمية مظاهرات هــذا اليـــوم
بجمعة الحماية الدولية وبالذات عن الفرق بين التدخل الدولي والحماية الدولية . وقد تنوعت
وتباينت التفسيرات في هذا المجال , لكنها إتفقت جميعها على الضرورة الحيوية الملحة بأن
يقوم المجتمع الدولي , فورا ودون أي تأخير أو إبطاء , بواجبه الانساني في إيـقاف حمــــام الـدم الوحشي الذي تنفـذه عصابات النظام المجرم دون أن يردعها أي رادع مستهترة بكـــل
القوانين والقيم والشرائع الدولية والانسانية . بصرف النظر عن الطريقة التي قد يلجأ إليهــا
المجتمع الدولي لتنفيذ هذا الواجب الحيوي .
        ويبدو أن ثوار سورية الأبطال الذين لا يخافون الموت والاعتقال والتعذيب يخشــون
أن يتهمهم البعض بالخيانة فيما إذا طالبوا بالتدخـــل الدولي , فقرروا التوافق على طلـــــب الحماية الدولية . خاصة وأن هناك الكثير من هذا البعض ممن يجعجعون بآرائهم الفوقيـــة مطلقين النصائح النارية محذرين من طلب التدخـــل الدولي ومن اللجوء للسلاح دون أدنى إعتبار للأرواح التي تزهق والدماء التي تسفك كــــل يوم وكل لحظة على الساحة السورية
          أمس أدلى السيد " شقفة " المراقب العام الاخوان المسلمين بتصريح لوكالة الأنباء
الألمانية قال فيه أن تدخل الناتو مرفوض بشكل قاطع وأن التدخل العربي ممكن أن يبــــدأ
سياسيا , فإذا إستمر القتل فقد يكون مقبولا لدى الشعب السوري أن يتدخل العرب بضغــط
عسكري !!! إن هذا التصريح يثير الشفقة لضحالته , والاستنكار لخطورته وتنكره لأرواح
الشهداء . فالمطلوب الآن تدخل عربي سياسي قــد يتحول لضغـط عسـكري فيمـا إذا إستمر
القتل . ولدينا سؤالين برسم السيد المراقب العام : كم مزيد من القتل تراه مناسبا لكي يبـدأ
الضغط العربي العسكري؟ ألف ...ألفين ..ثلاثة آلاف ! ومن هي الدول العربية التي يمكن
أن تقوم بهذه المهمة ؟ العراق أم لبنان أم الأردن ؟ بإعتبارها دول مجاورة , أم لعلـــه من الأفضل أن نطلب ذلك من جيوش موريتانيا والصومال وجزر القمر !!!!
        إن الحماية الدولية هي مجرد شكل من أشكال التدخل الدولي المتدرج , وهي تتضن بشكل مبدئي إيفاد أعداد كبيرة من المراقبين الدوليين لتتوضع في مختلف محافظات ومدن وبلدات سورية . ويجب أن تضم عسكريين ومختصين في حقوق الانسان وإعلاميين وهذا
يتطلب بشكل بديهي إصدار قرار بهذا الشأن من مجلس الأمن ونعتقد أن روسيا لن تعارض
مثل هكذا قرار , خاصة بعد أن صرح رئيسها أمس بأنه يجب التحـدث بلهجـة قاسية مــــع طرفي الصراع سواء في السلطة أو في المعارضة , التي أردف قائلا بأنهــا تضــم بعــض
العناصر الارهابية في صفوفها ( كذا ) . إذن فليرسل المراقبون الدولييون إلى الأرجـــــــاء السورية وليراقبوا كـــــل الأطراف وليتأكدوا بأنفسهم من حقيقة ما يجري في سورية .
         وبجب أن تتمتع لجان المراقبة بحرية العمل والحركة والاتصال وأن ترافقها طواقم
حماية عسكرية دولية. كما يجب أن يتضمن قرار مجلس الأمن السماح لكافة وسائل الاعلام
العربية والأجنبية بالدخول إلى سورية مع ضمان سلامتها وحرية عملها . وكذلك أن ترفع
السلطة السورية أي حظر على حركة وعمل أفراد البعثات الدبلوماسية العاملة في سورية .
        كما يجب أن يسمح فورا بدخول بعثات المساعدة الانسانية والغذائية والطبية ولجان
حقوق الانسان والصليب والهلال الأحمر العربية والدولية . وأن تنسق كافة هذه الجهود من
قبل لجنة عليا  يعينها الأمين العام للأمم المتحدة تضم شخصيات عالمية وعربية مرموقة ,
تقدم تقاريرها بشكل دوري إليه .
       هذه هي الحماية الدولية التي يطالب بها الشعب السوري الثائر بكل أطيافه ومكوناته
وهي مجرد البداية في ضرورة التحرك الدولي وأضعف الايمان في تدخله لوقف نزيـــــف
الدم السوري الطاهر .
الشعب يريد الحماية الدولية الآن الآن وليس غدا


 جمعة الحماية الدولية في 9/9/2011                 العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم






Tuesday, 6 September 2011

الثورة السورية والمجالس الوطنية


         أثار الاعلان , قبل اسبوع , عن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي الكثير من النقاشات وردود الأفعال والتصريحات السلبية والايجابية  من قبل هيئات أو أشخاص سواء من داخل المجلس أو من
خارجه . ولعل الايجابيات التي أجمع عليها الكل - أو لنكن أكثر تحديـدا فنقـول الايجـابية الوحيـدة -
تتمثل في كون معظم الأعضاء الذين تم تعيينهم - إن لم يكن كلهم - من الشخصيات الوطنية المشهود
لها بالكفاءة والخبرة النضالية والنزاهة .
        وقد سارعت الهيئة العامة للثورة السورية التي تم تشكيلها قبل اسبوع من ذلك الى إستنكارهذا
الاعلان التي قالت أنه صادر عن جهة غير معلومة وبينت أنه لا علاقة للهيئة لا من قريب ولا مـــن
بعيد بهذا المجلس . كما إستنكرالكثيرممن وردت أسماؤهم في عضوية المجلس الطريقة التي تم بهــا
هذا التشكيل بينما إكتفى آخرون بإبــداء مفاجأتهم بورود أسماؤهم دون إستشارة أو تنسيق . بمـا فـيهم رئيس المجلس المعين الدكتور برهان غليون الذي عقب على ذلك بشكر شباب الثورة على ثقتهم بــه
دون أن يوضح من ومتى وكيف تم هذا التكليف .
         وكان الأبرز في المواقف  ذلك التصريح الغريب الخطير الذي صدر عن المعارض البـــارز السيد ميشيل كيلو, الذي هو عضو معين في المجلس الانتقالي , والذي قضى كما قال أكثر من نصف
حياته في سجون النظام المجرم , والذي بين فيه أن المعارضة السورية في الداخل متماسكة وأنها لا
ترفع شعار إسقاط النظام بل الحوار معه من أجل تأمين عملية إنتقال سلسة وسلمية إلى نظام تعددي
ديموقراطي . في الوقت الذي نادى فيه الثوار منذ الأسابيع الأولى للثورة وبعد سقوط المئات مـــــن
الشهداء بأنه لا حوار مع السلطة المجرمة على الاطلاق مهما كانت المبررات .  
       وقد توضحت الصورة لاحقا بأن عائلة" سنقر" الثرية السورية والتي مولت في البداية المؤتمـر الأول للمعارضة السورية في أنطاليا هي التي كانت وراء مؤتمر إسطنبول وما نتج عنه من تشكيــل
المجلس الانتقالي . وليس في هذا أي ضير أو خطأ , بل على العكس فإن أي عمل من هذا القبيل هـو
واجب وطني مشروع يشكر القائمون عليه , شريطة أن يتوقف دورهم على التمويل والتحضير دون
أي تدخل لاحق في وضع رؤية مستقبلية أو برنامجا للعمل أو في تحديد الأسماء وإختيار الأشخاص .
       وكان هناك تساؤل كبير حول الصيغة العملية التي سيزاول بموجبها المجلس نشاطه وإجتماعاته
وخاصة أن حوالي نصف أعضائه موجودين داخل سورية تحت المراقبة اللصيقة لأجهزة أمن النظام
المجرم . وجاء بيان الدكتور غليون الثاني ليزيد في غموض الموقف وتعقيده بدلا من توضيحه . فقـد أعلن عن تبلور معالم خارطة طريق من أجل تشكيل مجلس وطني يعلن عنه قريبا لكي يقــود الحراك
الوطني وينظم علاقة الثورة داخل سورية وخارجها ويساهم في إتخاذ القرارات المصيرية . ويتكــون
من ممثلين لتنسيقيات الشباب وممثلين عن الأحزاب المعارضة ومن شخصيات وطنية مستقلة .
        والسؤال الآن : إذن لماذا تم تشكيل المجلس الانتقالي أولا  ؟ وهل سينتهى دوره بعد تشكــــيل
 المجلس المزمع ؟ وإن كان الجواب بلا فما هي طبيعة العلاقة المستقبلية بين المجلسين ؟ ولماذا هذا التعدد والتنوع في تشكيل المجالس والهيئات ؟ 
         وجاء التطور الحاسم والأهم  يوم أمس عندما تم الاعلان عن تشكيل المجلس الأعلى لقيــــادة الثورة السورية لكي يمثل قوى الثورة في الداخل ويقود جهودها حتى تحقيق أهدافها بإسقاط نظـــــام
الأسد المجرم . وتم الكشف في نفس الاعلان عن أسماء العديد من أعضاء المجلس من ممثلي الثوار
في مختلف المحافظات السورية والتحفظ على ذكر بقية الأسماء لضرورات أمنية .
         ويبدو الوقت مبكرا للحكم على هذا المجلس ومدى صدقية تمثيله الفعلي للثوار, وقدرته على قيادة الثورة ميدانيا , وهذا أمر يمكن التحقق منه في أقرب وقت خاصة وأنه لا يمكن الشك بالأسماء
التي أعلن عنها مبدئيا . فهي عائدة لشخصيات ميدانية وطنية مشهود لها بالنضال والكفاح .
            فإذا كان الأمركذلك ( أي صدقية ومشروعية تمثيل الثورة ميدانيا )  فهذا المجلس هو الذي
يجب أن تتوقف عنده الاجتهادات والاختلافات , وهو الذي يجب أن ينفرد بتمثيل وقيادة الثورة . وهو
الذي يمكن أن ينطبق عليه القول المأثور : " وعند جهينة الخبر اليقين " , وهو الذي يجـب أن تـــدور
حوله ووفقا لأجندته كل نشاطات المعارضة داخل وخارج الوطن .
         لكن هناك أمور كثيرة تحتاج لتنسيق وتنظيم وإستكمال  حتى ينجح هذا المجلس في مهمتــــــه
 الوطنية الثورية السامية . وأنني بكل تواضع أتقدم ببعض المقترحات في هذا المجال :
1- يعزز المجلس قوامه بضم ممثلين عن المعارضة السورية في الداخل وبعض الشخصيات الوطنية
    المستقلة ولا يهم ان أعلن عن هذه الأسماء أم بقيت سرية .
2- تندمج وتذوب في كيان المجلس الهيئة العامة للثورة السورية التي أعلن عن إنشائها قبل اسبوعين     وأي كيانات ثورية أخرى .
3- تتوحد كافة التنسيقيات والمواقع الاعلامية في كيان واحد تحت مسمى " اللجنة الاعلامية لمجلس
    قيادة الثورة " وتعيين ناطق رسمي بإسم الثورة السورية .
4- تعلن قيادة جيش سورية الحر( لواء الضباط الأحرار ) إنضوائهــا تحت مظلــة المجلس الوطني
    وتشكل ذراعه العسكري .
5- يتم حل أو تجميد نشاط المجلس الوطني الانتقالي , وكذلك المجلس الوطني المزمع إنشائــه حسب
    بيان السيد غليون وتوحيد كافة الجهود في الخارج لدعم ومساندة الثورة والثوار في اطار ما يمكن
    تسميته " المجلس الوطني لدعم الثورة السورية " وهناك الكثير من المهام الحيوية التي يمكن لمثل
    هكذا مجلس القيام بها وهي لا تقل أهمية عن عمل الثوار في الداخل .
6- في المستقبل يمكن التنسيق بين المجلسين في الداخل والخارج لتشكيل هيئة إنتقالية (حكومة مؤقتة,
    مجلس إنتقالي , لا تهم التسمية هنا ) لقيادة البلاد مؤقتا بعد نجاح الثورة وزوال النظام المجرم .

          في الوقت الذي نحتاج فيه لتوحيد الجهود وتكاتف الصفوف تطلع علينا الأخباربين يوم وآخر
بتشكيل مجلس هنا وهيئة هناك وكيان ثالث في مكان آخر وتثار زوابع من الانتقادات المتبادلة وتوجه
سهام الاتهامات في كل الأنحاء وشباب سورية الأحرار يقتلون كل يوم بالعشرات بدم بارد وبوحشية
بالغة من قبل النظام المجرم وعصاباته البربرية .
          الوحدة أيها الثوار وأيتها المعارضة والنصر بإذن الله للشعب السوري البطل .

في 5/9/2011                                                            العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم



  
         
       
      



 

Thursday, 1 September 2011

إرفعوا أيديكم عن الثورة السورية


         تنشط حاليا أطياف المعارضة بكل تنوعاتها , والكثير من النخب السياسية والثقافية والحقوقيـة في الخارج والداخل في تنسيق جهودها وتطويرها بهدف تغيير النظام السوري المجرم , والانتقــــال بسورية إلى حكم ديموقراطي تعددي حر . وقد تمثلت هذه النشاطات والجهود في عقد الكثير مــــــن المؤتمرات , تحت تسميات مختلفة , وفي محاولة تشكيل هيئات أو مجالس أو كيانات أو تحالفــــــات لدعم الثورة أو تمثيلهـا أو حتى قيادتها .
        ولا شك بأن معظم – إن لم يكن كل – هذه النشاطات والجهــود تنطلق من حسن نيــة بالغـــــة ورغبة وطنية صادقة , لكن النتائج حتى الآن تنحو عكس النوايا والرغبات . الأمر الذي قد يصيـــب
الثورة بضرر كبير . وقد برزت حتى الآن الكثير من السلبيات التي يمكن إيراد بعضها على سبيــــل
المثال وليس الحصر :
1- الاختلافات  ( ليس في الآراء أو المعتقدات وهو أمر مقبول جدا بل الاختلافات الشخصية البحتة )     مع تبـــــادل الانتقادات وحتى الاتهامات.
2- التصارع على الظهور وإدعاء الأحقية في تمثيل الشعب السوري والثورة السورية .
3- ذهنية الاقصاء التي مارسها البعض ضد البعض الآخر , أفرادا أو منظمات .
4- التنوع والتعدد والتشرذم في الوقت الذي نحتاج فيه للتوحد والتعاون والتنسيق .
       لايكفي أن الثورة السورية في خطر داهم , وأن الشعب السوري مهــدد في وجــوده ومصيــره ومستقبله , وأن النظام المجرم يشن عليه تلك الحملة البربرية الوحشية التي لم يسبق لهـا مثيل , يأتي تشرذم المعارضة وإختلافها ليضيف خطرا آخرا يزيد في تعقيد الموقف وحراجة القضية .
       في هذا الوقت الصعب , يجب أن نعي جميعا أنه لا يمثل الثورة إلا أبنائها الأبطـال في الداخــل وعلى الأرض الذين يبذلون دمائهم رخيصة في سبيل الوطن , ويتعرضون لأبشع صنـوف التعــذيب
والتنكيل والاضطهاد . وعلى الجميع خارج الوطن , بصرف النظر عن إنتمـــاءآتهم وإتجاهاتهــــــم الفكرية والسياسية أن يصطفوا خلف هدف واحد موحد هو دعم الثورة ومساندتها وتأييدهــــا بكـــــل
الوسائل والأساليب والأدوات . وهناك العديد من المهام والمسؤوليات والأعمال التي يمكن أن تنفـــذ
تحت مظلة دعم الثورة ومساندتها , ولا داعي للانشغال باية أمور أخرى في الوقت الراهن .
        لقد إنفجرت الثورة السورية بشكل عفوي وتلقائي , بعد عقود من الكبت والقهــر والاضطهــاد
والفساد والافساد . ولم يتسن لها أن تنظم صفوفها وترتب أوضاعها وتشكل كوادرها القيــادية  بعـد . لكنها تكتسب مزيدا من الخبرة النضالية يوما بعد يوم . وعليها أن تفرز من صفوفها قيـادة موحــــدة
مركزية وهو أمر قابل للتحقيق في المستقبل القريب . ويمكن البدء بتشكيل لجان محليــة في المـــدن والبلدات والمحافظات . ويجب أن يتم هذا بإسلوب ديموقراطي , رغم صعوبة ذلك في ظل الأوضاع
الراهنة , وأن يتصف بالسرية البالغة والعمل تحت الأرض .
          ويمكن لقيادة الثورة أن تضم في المستقبل بعض الأسماء البارزة من خـارج الوطـــن أو مـن
الداخل , أو أن تكلف بعض الأشخاص أو الهيئات في الخارج بالتحدث بأسمها أوتمثيلها في المحافــل الدولية . وهــــي - أي قيادة الثورة - الجهة الوحيدة المخولة بأتخاذ القرارات المصيرية العليا كرفض أو طلب التدخل الدولي أو الانتقال من السلمية إلى السلاح وغير ذلك .

في 29/8/2011                                                                   عقيل هاشم
- ملاحظة : كتب هذا المقال قبل إعلان تشكيل المجلس الانتقالي مؤخرا .