Friday, 28 October 2011
Friday, 21 October 2011
الوطن العربي وربيع الثورات -- كشف حساب موجز
يتألف الوطن العربي من( 22 ) دولـة ، تتوزع على قارتين ، منها( 9 ) في أفريقيا و(13) في آسيا . لم تكن واحـدة منها تتمتع بنظـام حكـم ديمقراطي حقيقي . بل كـانت ترزح ، حتى إنـدلاع ثورات الربيع العربي مطلع هذا العام ، تحت أنظمة حكم متنوعة على الشكل التالي :
- سبعة جمهوريات ديكتاتورية فاسدة بدرجات متفاوتة هي : تونس ، مصر ، ليبيا ، سورية ، اليمن الجزائر ، والسودان .
- ثمانية ملكيـات غير ديمقراطيـة ، أيضا بدرجـات متفاوتة ، هي : السعوديـة ، الأردن ، البحرين ، ُعمان ، الكويت ، المغرب ، قطر ، والأمارات .
- خمسة دول شبه ديمقراطية ( ديمقراطية منقوصة لأسباب مختلفة ) هي : لبنـان ، العـراق ، جزر القمر ، موريتانيا ، وجيبوتي .
- دولتان ذات وضع خاص هي : فلسطين والصومال .
إندلعت الثورات الشعبية الشاملة في خمسة دول ، إنتهت ثلاث منها بالنصر المؤزر هي :
- تونس : وقـد سقط النظـام فيها بتاريخ 15 كانون الثاني ( يناير ) بالهروب الجبان للديكتاتور " بن علي " وإعتقال معظم أركان حكمه . وقدر عدد ضحايا الثورة ب 88 شهيدا ، بالإضافة إلى مئات الجرحى .
- مصر : وقد إنهار النظــام فيهـا بتاريخ 11 شباط ( فبراير ) بتخلي الديكتــاتور " حسني مبارك " عن السلطة ، ومن ثم إعتقاله وأبناءه ورموز حكمه ، وهم جميعا في السجن الآن قيد المحاكمــــة ، وقد وبينت الإحصائيات الرسمية بسقوط 850 شهيدا ، وآلاف الجرحى .
- ليبيـا : وقد سقط النظام المجرم يوم أمس 20 تشرين الأول ( أكتوبر ) بمقتل الطاغيـة " القذافي " ومعظم أبناءه وأركان حكمه . بعد معارك ضارية ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف شهيد ، وقـــد
تعذر بشكل رسمي إجراء إحصاء دقيق حتى الآن بسبب أعـداد المفقودين الكبيرة ، وتوقع وجــــود العديد من المقابر الجماعية غير المكتشفة .
ولا تزال الثورة ملتهبة في دولتين هما :
- اليمن : وقد سقط المئات من القتلى في الثورة التي إندلعت في 17 شباط ( فبراير ) وأضعافهم من الجرحى . ولا يزال الثعلب " على صالح " يناور ويداور لكن سقوطه من المحتمات .
- سورية الحبيبة : وقد إنفجرت الثورة المباركة في 15 آذار ( مارس ) ولا تزال مستمرة رغم القمـع الوحشي البربري الذي لم يحدث مثيله في ثورة أخرى ، ليس في الوطن العربي فحسب ، بل فــــي كافة أنحاء العالم في العصر الحديث . وتشير الإحصائيات إلى سقوط أكثر من خمسة آلاف شهيــــد وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين ، وما يزيد عن خمسين ألف معتقــل ، تعرضوا جميعــــا لأبشع وأقسى أنواع التعذيب البربري . ويرجح أن يتضاعف عــدد الشهداء بسبب وجـود عــدة آلاف من المفقودين ومجهولي المصير . وقد أصبح سقوط النظام المجرم مؤكدا ، ومسألــة وقت ليس إلا ، ولن يتراجع الشعب البطل عن ثورته المجيدة مهما بلغت التضحيات .
وقـد إندلعت الإضطرابات ، بشكل متقطــع ، في خمسة دول أخرى هي : المغرب ، البحرين ، ُعمان ، الأردن ، والجزائر . لكنها لم تبلغ بعد مستوى الثورة الشاملة . وشعوب هذه الدول مرشحــــة للإنفجار في أي وقت من المستقبل القريب .
وفي لبنان والعراق ، ورغم وجود نظام ديمقراطي إلى حد ما في كليهما ، لكن التناحر الطائفي الداخلي ، وفساد الحكم ، وتبعية المكونات السياسبة فيهما إلى أنظمة مجاورة ، يرشح هاتيـن الدولتيـن لإنفجار شعبي محتمل فــي المستقبل .
يبقى هناك الوضع الخاص لكل من فلسطين التي تعاني من الإحتلال الإسرائيلي الغاشم وكذلك الصومال الرازحة تحت الإنقسام والحرب الأهلية ، وتعاني فوق ذلك من المجاعات والكوارث ممـــا يندى له جبين الإنسانية خجلا .
لكن هذا لا يعني أن بقية الدول العربية ، التي لم نأتي على ذكرها بعد ، هي بمنأى ومنجى مـــن غضب شعوبها ، فقد أثبتت الأحداث أنه لا يوجد نظام حكم غير ديمقراطي محصن كليا من الثورات. ولأن الظروف والأوضاع تختلف جذريا بين دولة وأخرى ، فأن إحتمال إنفجار الثورات فيها متفاوت مـــن حيث الحجم والقوة والتوقيت .
ولا نزال بعد في العــام (2011 ) ، ولم يمر على إستشهاد " البوعزيزي " ُمفجّـرثورات الربيـع العربي سوى عشرة أشهرفقط ، ونأمل أن يكون العام القادم (2012 ) هو عام إنتصار الربيع العربي وخاصة في اليمن السعيد الذي جعله " علي صالح " حزينا ، وسورية الحبيبة التي زرع فيها المـجرم السفاح اللص " بشار الأسد " الموت والخراب والترويع .

Thursday, 20 October 2011
القذافي قتل ، الدور عليك يا بشار
القذافي قتل ، الدور عليك يا بشار
- أنظر وإسمع وإفهم أيها السفاح .
- هذا هو مصيرك المحتم الذي لا مهرب منه .
- لو تحالفت مع الجن الأزرق ، لو أيدتك شياطين الأرض جميعها .
- لو إنطبقت السماء على الأرض .
- مهما قتلت ، ومهما عذبت ، ومهما سرقت ، لا منجى لك من نفس النهاية الوخيمة .
- لا تغرّك مظاهرات التأييد المزيفة المفبركة ، تذكر أن القذافي كان يسوق عشرات الآلاف إلى تأييده بنفس طريقتك المبتذلة . أين هم الآن ؟ إنهم يحتفلون بمقتل القذافي .
- هل تعتقد أيها الغبي المغرور أن جموع ال " منحبكجية " الذين تسوقهم كالأغنام سيحمونك من مصيرك الأسود ؟ إنهم أول من سينفك عنك ويتظاهر إبتهاجا بنهاينك .
- إنهم معك الآن لمصالحهم الدنيئة ، لكنهم كالجرذان أول من سيفر من السفينة الغارقة .
- والشعب السوري الثائر لم يعد يريدك أن ترحل ، بل أن تبقى وأن تبحث منذ الآن عن
جحر يخفيك . لكي يسحبك منه ويهيء لك نهاية أوخم من نهاية قرينك وزميلك القذافي المجرم .
- القذافي قتل ، والدور عليك الآن أيها السفاح بشار .
في 20/19/2011 عقيل هاشم
رسالة إلى المجلس الوطني السوري الموقر
رسالة إلى المجلس الوطني السوري الموقر
الشعب يريــد
منذ أكثر من سبعة أشهر، والشعب السوري الثائـر يُعبّـر، بأرواح الشهداء ودمـاء الضحايا وعذابـات المعتقلين ، عن مطالبه الحاسمة الجازمة التي لا تقبل التنازل أو المساومة أو التأويل. وقد قالهـا بأبلـغ وسائل التعبير، وقدم لأجـل ذلك ما لا يعقل من التضحيـات الهائلة ، والتكـاليف الباهظــة ، وهتف بصوت واحـد في كل ميادين وأرجاء الوطن :
- الشعب يريد إسقاط النظام .
- الشعب يرفض الحوار مع النظام المجرم رفضا قاطعا .
- الشعب يرفض إصلاحات النظام المزعومة جملة وتفصيلا .
- الشعب يطالب بالحماية الدولية .
- الشعب يطالب المجتمع الدولي بالتدخل العسكري لوقف المذبحة .
- الشعب يريد توحيد المعارضة .
كما أجمع الشعب على إعتبار مجلسكم الوطني السوري ، الذي أعلن عن قيامه مؤخرا ، بعد مخاض طويل وعسير من المؤتمرات والإجتماعات ، ممثلا وحيدا للشعب والثورة . وهذا تكليف مشرف ومسؤوليـة وطنية عالية تلقي على عاتقكم مهاما جسيمة ، وأعباءا كبيرة ، ويُنتظر منكم القيام بها خير قيام .
إن المطالب المبينــة أعلاه ، والمجمع عليها من قبل الثوار والشعب ، بمثابة خطة العمل ، وخارطـة الطريق لكم . والشعب ينتظر منكم أن تتبنوها دون تعديل أو تبديل . إن شرعيتكم مستمدة ، قبل أي إعتبـــار آخر ، من قبـل الشعب السوري الثائر . ولا يجادل أحـد في الأهمية البالغــة لإعتراف الحكومات والمنظمات العربية والدولية بكم ، لكن مبايعتكم من قبل الشعب هو العامـل الأهـم . وتمثيلكم للثـورة المباركـة يتطلب أن تتقيدوا حرفيا بمــا يطالب به الشعب . وأن تتجنبوا أيـة محاولات مشبوهة لدفعـكم في مسلك مغاير. وخاصة من قبــل تلــك المعارضة المشبوهة في الداخل التي تنكرت لماضيها النضالي ، ووقعت في شرك النظام المجرم ، وتنشط حاليا وفق أجندته المضللة .
إن الإنتقادات الموجهة حاليا ، من قبل بعض الأطراف ، وخاصة بصدد بنية المجلس ومكوناته ،يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار ، ويجب الإسراع بتلافيها من منطلق ضرورة أن يكون المجلس ممثلا لكافة أطياف الشعب السوري ومكوناته القومية والعرقية والدينية والطائفية والسياسية دون إقصاء لأي طرف بإستثناء كل من يعمـل مع النظام المجرم حاليا ، أو عمل معه سابقا ، بما في ذلك ما يسمى ب " هيئــة التنسيق الوطنــي للتغيير الديمقراطي " الممثلة للمعارضة المشبوهة في الداخل . وجبهة الخلاص ( خدام ) وجماعة المجــرم رفعت الأسد في الخارج وأمثالهما . لكن هذا يجب أن لا يعيق أو يؤخر بدئكم بالنشاط الفعال والعمل الدؤوب فالظرف الراهن لا يسمــح بأي تهاون أو جمود ، ويمكن من خلال العمل تلافي كل النواقص والسلبيـات ، وتصحيح كل المسارات .
وأرغب هنا أن أؤكد على ضرورة تجنب الخوض في القضايا الخلافيـــة الرئيسية ، أو التي يمكن أن تكون مثار جدل كبير في المستقبل ، كهوية الدولـة المقبلـة ( بعـد زوال النظـام المجرم ، إن شاء الله قريبا ) وتسميتها وأسس دستورها وغير ذلك من الأمور الجوهريــة . فهذه قضايا سيتم إقرارهــا بكل يسر وسهولة من خلال العملية الديمقراطية النزيهة الشفافة في سورية المستقبل . بالمقابل يجب التوحد والإصطفاف خلف الهدف الأسمى المتمثل في إسقاط النظام المجرم بكل الوسائل المتاحة والممكنة دون إستبعاد لأي منها ، ومن ثم إقامة الدولة الديمقراطية المدنية التعددية النزيهة ، التي تؤمن العدل والمساواة والحريـة لكل أبنـاء الوطن دون أي تمييز بسبب الدين أو الطائفـة أو العرق أو اللون أو الجنس ( ذكور أو أناث ) أو القوميـــة ، أو أي إعتبارات أخرى . دولة تكون فيها المناصب مسؤولية وليست إمتياز ، وحسب الكفاءة والإجتهاد .
وإسمحوا لي ، بكل تواضع ، أن أتقدم إليكم ببعض المقترحات العملية الواجب القيام بها قبل أي شيء آخر ، للتمهيد لعملكم النضالي المقبل :
1- الإسراع بتشكيل كوادر مجلسكم ، وهيئتــه التنفيذيـة المصغرة ، واللجـان أو المكاتب الفرعيــة اللازمـة لسير العمل ، وإنشاء صندوق مالي للنفقات ، وأية إجراءات تنظيمية أخرى ترونها حيوية .
2- إفتتاح مقر ثابت للمجلس ( مؤقتا ) في دولة قريبة من الوطن تقبل إحتضانكم ، وتؤمن لكم حريـــة العمل وضمان الأمن . ولا يوجد أنسب حاليا من أحد خيارين : تركيا أو مصر . على أن يتم الإنتقال إلى أرض الوطن فور تحرره أو تحرر جزء منه .
3- ضرورة تفرغ أعضاء المكتب التنفيذي المصغر كليا للعمل النضالي في مقر المجلس ، على أن تعقــــــد إجتماعات موسعة لكامل أعضاء المجلس بشكل دوري ، مرة كل شهرين ( أو حسب ما يتفق عليه ) لكي يتم إتخاذ القرارات الحيوية ،ووضع خطط العمل التفصيلية ، ومناقشة وتقييم عمل المكتب التنفيذي خلال الفترة السابقة ، وإعطاءه التوجيهات للفترة القادمة .
4- تأمين التواصل الدائم مــع مكونات الـثورة في الداخـل ، والتنسيق معهم في كل الأمـور والقضايـا ، فهــم مصدر شرعيتكم ، وضمان نضالكم .
5- التركيز على العمل ، أولا ، من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من إعتراف الحكومات والمنظمات والحركات السياسية والشعبية العربية والإقليمية والأجنبية .
6- البدء بإصدار بيانات دورية عن تفاصيل جهودكم ونشاطاتكـم وخططكـم وبرامج عملكـم المستقبلية ، لكي يكون الشعب السوري أولا ، ومن ثم الرأي العام العربي والعالمي ثانيا على دراية بكل ما تقومون به من نضالات وجهود .
وفقكم الله ، وشد أزركم ، وسدد خطاكم ، لما فيه خير الوطن والشعب والثورة ، وتقبلوا من شخصي المتواضع وافر التأييد وفائق الإحترام ، والسلام عليكم .
Monday, 17 October 2011
بعض خفايا حرب تشرين
بعض خفايا حرب تشرين
من صفحات التاريخ الأسود لحافظ الأسد
في مقـابلة لي مع قنـاة العربيـة الفضائيـة يـوم 6/10 ، وبمناسبة مرور 38 عامـا على نشوب حرب تشرين 1973 ، تطرقت بإختصار شديد إلى أحــد خفايــا تلك الحرب ، المتمثل في قيـام حافظ الأسد ، وقبل بضعة أشهر مـن الحرب ، بعمليـة تنقلات واسعـة في المناصب العسكريـة العليـا ، ممـا أدى إلى نتائج مؤسفة . وأرغب الآن في إلقـاء المزيد من الضوء على هذا الأمر ، وعلى خفايا أخرى من تلك الحرب ، بكل تجرد وموضوعية ، من منطلق خبرتي العسكرية - الإستراتيجيــة ، وتجـربتي الشخصية المتواضعة . وليس مـن منطلق كوني معارضـا للنظـام المجرم . مع الإشارة ، بدايــة ، إلى الأمورالمهمة التالية :
1- قيـام إعلام النظـام ، العريق في التضليل والكـذب ، بترويج صورة مختلقـة ومزيفـة لأحـداث تلـك الحرب ، ُقلبت فيها الحقائق رأسا على عقب ، وبولغ فيها بالإنتصارات المتواضعة ،وأهم من كل ذلك إطلاق صفـة " التحريرية " على حرب لـم تحرر شبرا واحدا من الجـولان المحتـل ، ولم تحرر حتى " الإرادة " كما إدعى النظـام . لأن الجـولان لا تزال محتلـة حتى الآن ، وبعـد مرور سبعـة وثلاثيــن عاما ، لم تطلق فيها رصاصة واحدة ضد العدو .
2- إن ما أكتبـه هنـا ، موضحـا ومنتقـدا ، لايمس ولاينتقـص ، على الإطـلاق ، من شجاعـة وبطولــة وتضحيات جنود الجيش العربي السوري وصغار الضباط ، الذين قدموا أرواحهـم ودمائهـم رخيصـة في سبيـل الوطن . لكنه يمس ويدين ، بكل تأكيد ، القيادات العليا الفاشلة وغيرالمؤهلة للقوات ، وعلى رأسها السفاح حافظ الأسد .
3- لقد قمت على مدى سنوات ، بعـد الحرب ، وبمبادرة ذاتية ، بالتحقيق مع كل من أتيحت لي فرصة التواصل معه ، من الجنود وصف الضباط والضباط الذين شاركوا في الحرب . كما إطلعت على كـل المراجع والوثائق التي نشرت عن الحرب باللغة العربية ، وبعض ما صدر باللغة الإنجليزية ،توصلا للحقيقة المجردة عن كل شك .
4- مما يؤسف له ، ويحز في النفس ، ويثير الغضب والإستنكار ، أن يتحول الجيش الوطني الذي قدم التضحيات الغالية والبطولات العظيمـة في حرب تشرين ، وكـل الحروب والإشتباكات السابقــة ، من أجــل الوطن والشعب ، إلى آلـة قمع وقتل مروعة تزرع الخراب والتدمير ، وتحصد الأرواح في كل أرجاء سوريـة الحبيبة ، تنفيذا لأوامر عائلة متوارث فيها الإجرام والفساد إبنا عن أب .
5- وممـا يؤسف لـه أكثر، أن تفـوت الفرصـة الوحيـدة في التاريخ الحديث ، وربمـا التي لن تتكـرر ،
لتحرير الجولان ، وهزيمة إسرائيل في تلك الحرب ، التي كانت فيها القـوات المسلحـة السوريـة فـي أفضل حالات الخبرة العسكرية والقدرة القتالية ، وأعلى درجات الجاهزية والتسليح المتفوق وأروع مستويات الحالة المعنوية . عدا عن ميزة تحقيق عامل المفاجأة ، الذي كـان يفترض أن يميـل بالكفـــة كثيرا لصالح قواتنا المهاجمة .
بعد هذا التمهيد ، أستطيع الآن الحديث عن بعض خفايا الحرب ، وليس كلها ، فذلك يتطلــب كتابة مجلد كامل :
1- تنقـلات ما قبل الحرب : أواخر أيارعام 1973 ، أوعز حافظ الأسد للمكتـب العسكري في القيــادة القطرية لإصدار تعميم للجهاز الحزبي في الجيش ، ملخصه أنـه قـد حـان الوقت لكي يتسلم الرفــــاق الحزبيون مسؤوليات القيـادة بعـد أن إكتسبوا الخبرات والمؤهلات العسكريـة ( وهذا كذب صريح ) . على إثر ذلـك صدرت نشرة تنقــلات شملت تبديـل كافة قـادة فـرق الجيش الخمسـة ( الأولى والثالثـة مدرعـات ، والخامسـة والسابعـة والتاسعـة مشـاة ) المتميزين بكفاءاتهــم وخبراتهــم العاليــة والذين درسوا في أفضل المعاهـد العسكرية في الإتحـاد السوفييتي وفرنسا ، بضباط حزبيين عديمي الكفــاءة والخبرة القتالية ، بإستثناء المرحوم " عمر الأبرش " غيرالحزبي ، الذي عين قائـدا للفرقـة السابعــة مشاة في القطاع الشمالي ، وكان هو قائد الفرقة الوحيد الذي أستشهد في الحرب . كانت المصيبة فــي تعيين " توفيق الجهني " وهو ضابط معروف بغباءه وإهماله وضعف ثقافته العسكرية ، قائدا للفرقــة الأولى المدرعة ، زهرة الجيش السوري ، المزودة بأفضل دبابة في العالم آنذاك ، الدبابة ت 62 التي تتفوق بمراحل على دبابات الباتون والسنتوريون الإسرائيلية ، والمزودة بأجهزة الإستقرار والرؤيـــة الليلية الحديثة . كما عين في نفس الفرقة " شفيق فياض " وهوضابط سكير مهمل ، إختصاصه أصلا سيارات نقل لا يفقـه حرفا في شؤون الدبابات ، قائدا لأحد ألوية الفرقة ، وأفضل ألوية الجيش قاطبــة اللـواء 91 دبابات ( المعروف لكل السوريين بإسمه القديم " اللواء سبعين " ) الذي يتألف قوامه مــن جنــود متطوعين أمضوا العديد من السنوات في الخدمة ، وتملكوا على أعلى درجات الخبرة والكفاءة التدريبية والقتالية .
كما تم تعيين " مصطفى شربا " قائدا للفرقة الثالثة المدرعة ، وهو ضابط غير مؤهل للخدمة الميدانية من الناحية الصحية . كان على تلك الفرقــة ، بموجب الخطة الحربية ، أن تتحرك في الليلـة الأولى للهجوم من مكـان تمركزها الدائم في " القطيفة " شمال دمشق إلى " الكسوة " جنوب دمشق ، وبالتـالي عليها أن تمر من خلال شوارع العاصمة . ولم يكن " حافظ الأسد " مستعدا للمخاطرة بهذا الأمر ما لم يكن ضامنا لولاء قائد الفرقة وضباطه المطلق . وليذهب مصير الوطن والجيش والحرب إلى الجحيم ، على أن لا يتعرض النظام الحاكم لأي مخاطرأو هزات .
كما شملت نشرة التنقلات العديد مـن المناصب الهامة الأخرى منها ، على سبيل المثال وليس الحصر، تعيين " على الصالح " قائدا عاما لسلاح الدفاع الجوي المدفعي والصاروخي ، وهو ضابط كل خبرته العسكرية تتلخص في كونـه قائـدا لفوج مدفعيـة مضـادة للطائرات ، ولا يعرف الفـرق بين بين الصاروخ " سام 6 " وصواريخ الألعاب النارية .
يحار المرء في فهم وتفسير هذه الإجراءات المخربة والهدامة ، التي أقدم عليها المقبور حافظ الأسد في وقت تتحضر فيه الدولة والقوات المسلحة ، التي يرأسها ، لخوض غمـار حرب مصيريــة تاريخية يتوقف عليها مستقبل الأمة والمنطقة . لقـد لعب عامـل القيــادة ، عبر التاريخ الحربي للعالم ، الدور الأكبر والأهم في تحقيق الإنتصـارات ، وهذا ما يعرفه المذكور بكل تأكيد ، ومع ذلك أقدم على عزل القادة الأكفاء في أحرج الأوقات وأشدها حاجة قصوى اخدماتهم . وإستبدلهم بالأغبيـاء الجهلـــة الذين سببوا الكوارث . وكل ذلك من أجل كرسي الحكم الذي يجلس عليه ، ومن منطلق تفضيله للولاء الحزبي والشخصي على عامل الكفاءة والخبرة . وهـو مـا أكـده " مصطفى طلاس " بالنص الصريح في مذكراته .
2- في مجرى الحرب : بعد ظهر يوم السادس من تشرين بدأ الهجوم على كامــل المواجهة ، وتمكنت قواتنا العاملة في القطاعين والجنوبي من إختراق الدفاعات المعادية ، وتوغلت حتى نهاية اليوم بعمق 6-10 كيلومتر . وخلقت بذلك الشروط اللازمة لزج الفرقة الأولى المدرعة ، نسق ثاني الجيش ، فـي العملية وتطوير الهجوم حتى نهر الأردن وتحرير كامل الجولان المحتل . وقد تحققت هذه النجاحات الأولية بفضل العوامل التالية :
- تحقيق المفاجأة التكتيكية والإستراتيجية التامة ، بسبب غرور العدو وعدم توقعـه أن يتجرأ أي جيش عربي على مهاجمة إسرائيل .
- التفوق العددي الكبير لقواتنا على العدو الذي وصل إلى أربعة أضعاف .
- وقبل كل شيء ، شجاعة وبطولة وتضحيات الجنود وصغار الضباط السوريين .
صباح اليوم التالي ، تقدمت الفرقة الأولى للدخول في المعركة . 300 دبابة ت- 62 ومئات العربات المدرعة ، تتحرك بأرتال لا نهاية لها مدعومة بالمدفعية والمشاة الميكانيكية وباقي صنوف القوات الأخرى في منظر مهيب وصفه جنرال أجنبي متمرس ، يعمل في قوام مراقبي الأمم المتحدة في المنطقة بقوله : " لم أر في حياتي منظرا كهذا ، لا في الأفلام ولا في المناورات الحربية ولا في العمليات الحقيقية " . تقدمت الفرقة حتى " كفر نفاخ " على عمق 20 كم ، وتكبدت خسائر فادحـــة وفي مساء نفس اليوم تراجعت إلى قواعد إنطلاقها الأولية ، بثلاثين دبابة فقط ، بعد أن خسرت تسعة أعشار دباباتها . طبعا لا يلام على هذه النتيجة المأساوية ، التي غيرت مصير الحرب ، سوى القـادة الجهلة الجبناء ، والذي عينهم في مناصبهم قبيل الحرب .
في اليوم الثالث للحرب ، بدأ العدو هجوما معاكسا بعد أن جلب فرقتين جديدتين . ويوم 9/10 كانت كافة قواتنا قـد تراجعت إلى مواضعها قبل بدء الهجوم ، دون أن تستطيع التمسك بأيـة مواضـع داخل الجولان . في اليوم التالي تقدم العدو في القطاع الشمالي ، وتمكن من خرق مواقعنا الدفاعية ،ثم توقف نهاية يوم 13/10 ، بعد أن إحتل ما عرف ب " الجيب " الذي إمتد شرقا حتى بلدة كفر شمس على عمق 20 كم في مواقعنا الدفاعية ، والذي تبلغ مساحته ثلث مساحة هضبة الجولان . ثم توقفـــت الأعمال الهجومية من الطرفين ، وإستمرت الإشتباكات بالنيران حتى وقف إطلاق النار في 22/10.
3- معركة القنيطرة : كلف بالهجوم على مدينة القنيطرة وتحريرها ، اللواء 52 مشاة من قوام الفرقــة التاسعة ، الذي فشل طيلة يومين من التقدم لأكثر من التخوم الشرقية للمدينة ، بعد أن فقد كل دباباتـــه ومعظم عتـاده وآلياتـه الحربية . وقد قرر قائـد الفرقة التاسعة دعم اللواء بكتيبة دبابات من اللواء 43 مدرع . وقد تحركت تلك الكتيبة ليلا بشكل عرضاني لمسافة 15 كم ، ووصلت إلى مشارف القنيطرة من الجنوب لكنها وقعت في كمين دبابات معادي منعها من التقدم أكثر من ذلك . وبالتالي فإنه لم تجر أية معارك داخل المدينة ولم يتم تحرير أي جزء منها خلال الحرب .
لكن إعلام النظام المضلل كان له رأي آخر مخالف للحقيقة . فبعـد الحرب بسنوات ، أنشئت " بانوراما حرب تشرين " في أول أوتوستراد " 6 تشرين " في دمشق ، بمعونة خبراء وفنانون مـن كوريا الشمالية ، مختصون بتزييف التاريخ الحربي وتمجيد وتأليه " كيم إيـل سونغ " ، كلفت خزينـة الدولة أكثر من 500 مليون ليرة سورية . وفيها ُتعرض صورة فنيـــة مجسمة للقتال الوهمي الــذي دار في شوارع وأنحاء القنيطرة لتحريرها . وهو ما يخالف الواقع كليا لأن المدينة لم تتحرر إلا بعد الحرب بستة أشهر ، وبجهود " هنري كيسنغر " في مفاوضات فصــل القوات التي أشرف عليهــا . ولم ترجع المدينة إلى السيادة السورية إلا بعد أن دمرها العدو بالبلدوزرات والمتفجرات .
في الختام ، هذه مجرد صفحة من صفحات التاريخ الأسود للمقبور " حافظ الأسد " الذي دمر ، طيلة ثلاثين عاما من حكمه الإستبدادي ، كل شيء جيد في هذا البلد الحبيب ، بما في ذلك الأخــلاق والمعنويات والتاريخ ، ثم أورث الدولة لإبنه الغبي المغرور لكي يتابع رسالة الإجرام واللصوصية .