Thursday 22 September 2011

المعارضة السورية في الداخل

المعارضة السورية في الداخل 

          عقد أبرز المعارضون السوريون ، في الداخــل ، إجتماعا في منطقة من
ضواحي دمشـق يوم أمس خرجوا منه ببعض التوصيات من أجل الخلاص من الحكم
الإستبدادي الراهن ، والإنتقال بسورية إلى نظــام ديمقراطي تعددي حر . ولعل أبرز ما يشير إلى النهج الذي إتبعوه يتمثل في رفعهم لشعار اللاءات الثلاثــة : لا للعنف ، لا للتدخل الخارجي ، لا للطائفية !
          وإنه ليحز في نفسي أن أكتب ، منتقـدا ، عن هذا الإجتماع ، ومعترضا على نتائجه ، وقـد  حضرته مجموعة محترمـة من الشخصيات البـارزة المعروفـة بتاريخها النضالي ، والموصوفــة بالثقافـة والكفــاءة ، والتي عرف معظـم أفرادهـا مرارة سجون النظـام المجرم لأكثر من مرة ولسنوات عديدة . وأنا أنطلـق فــي تقييمي الإيجابي لأولئك الأشخاص من كوني أعرف بعضهم بصورة شخصية ، وكنت أكن لهم كــل تقــــدير ومــودة وإحترام . وأعرف عن معظم الباقيــن  بما فيـه الكفايـة من خــلال أعمالهـم وكتاباتهــم ، ومواقفهــم النضالية . لكن مصلحة الوطن فوق كل معرفة وعلاقة .
          وسأقفز فورا إلى الخلاصة بأن هذا الإجتماع قد قدم هدية مجانية ثمينة للنظام المجرم ، وتنكر فـــي نفس الوقت لأرواح شهداء الحرية الأبرار . ولا أريد أن أقع في مطب ذهنية الفكر المؤامراتي ( وهي ذهنية سائدة في الشارع السياسي والثقافي العربي ) فأتهمم بالتعمد وســوء القصد . رغم أن هناك مؤشرات عــديدة تثير الريبة والشك . لكنني سأكتفي بوصفهم بالسذاجة والسطحية . ومن هذه المؤشرات ، على سبيل المثال ، تصريح مسبق لأحد الحضور بأن المعارضة في الداخل لا ترفع شعار إسقاط النظام !!! ومنها أيضا ، وهــو أكثر أهمية ، أن الإجتماع عقد تحت أنظار زبانية النظام وتصوير وسائط إعلامه ، دون أي ممانعة أو تدخل في الوقت الذي يعتقل ويعذب وقد يقتل فيـه أي متظاهر لتفوهه بأقل مما دار على ألسنة أولئك المعارضين .
          ورغم أن البيان الصادر عن الإجتماع حاول الإيحاء بأنه موجه لكلا طرفي الصراع الدائر علــــى الأرض السورية ، النظام المجرم والشعب الثائر . وهذا بحد ذاته أمر مضحك ومؤسف ، وكأن المعارضـة مجرد طرف وسيط بين الإثنين . لو أن هذا الإجتماع عقد في الأسابيع الأولى للثورة لأستطعنا تفهمه وربما تقبله بعض الشيء . اما الآن ، وبعد سقوط أكثر من ثلاثــة آلاف شهيـد ، وعشـرة آلاف مصـاب وجريـح ، وعدد غير معروف من المفقودين ، وإعتقال وتعذيب وتهجير عشرات الآلاف ، وتدمير المنازل والمبانـــي والمساجد والمحلات ، وتخريب الأثاث والممتلكات والسيـارات ، ونهب المتــاجر والمستودعات ، وحـــرق المزروعات والمحاصيل ، حتى الحيوانات 
 الصبورة لم تسلم من إجرامهم .





          الآن ، وبعد كل هذا القمع الوحشي ، والإجرام الدمــوي البربري ، تقولون هكذا بكل بساطة ودون تردد : " لا للتدخل الخارجي "  !! هكذا يشكل قاطع وباتر، ودون إستثناء أو بديل . حتى أنكم لم تضعوا في إعتباركم ، ولو من باب الخجل أو التمويه ، إمكانية اللجــوء لطلب تدخـل عربي ولو أننا نعـرف سلفــا أنــه إحتمال وهمي معدوم . لقد كان شباب وأبطال الثورة المباركة يتساقطون قتلى وهم يطالبون المجتمع الدولي
بالتدخل لوقف المجزرة الدموية . ويرفعون أصواتهم عالية وبمرارة في الشكوى من الصمت العالمي .
           وماذا عن الحمايــة الدوليـة التي هي أبسط مستويات التدخل الخارجي ؟ هل عميــت أبصــــاركم ، أو ُصمَت آذانكم عن رؤية وسماع الأبطال الثوار الذين خصصوا يوم جمعة محدد من أجل طلب  الحمـايــة الدولية ؟ ودفعوا ثمنا لذلك من أرواحهم ودمائهم ! ثم من هو المستفيد الأول والأخير من رفض تلك الحماية الدولية ، والإصرار على عدم التدخل  التدخل الخارجي ؟ سوى النظام المجرم . من الذي ترتعد أوصالـــــه هلعا من ذلك التدخل ؟ سوى النظام المجرم . 
          تقولون " لا للعنف " والشعب الثائر حافظ على سلمية الثــورة طيلة ستة أشهر ، وتحمَــل في سبيـل ذلك مـا لايمكن تصوره من قمع وإرهاب . ودفع من أجل ذلك أبهظ الأثمان . تقولون " لا للطائفية " وأبطال الثورة نادوا لنصف عام بنبذ الطائفية ، ورفعوا بإستمرار شعار " الشعب السوري واحد واحد " في مقابــــل آلة قمع بربرية ذات صبغة طائفية ، ونظام مجرم سفاح يستغل المشاعر الطائفية ، والولاءات الطائفية .
          لماذا هذه الضبابية المقصودة ، والتعميم المشبوه ؟ لماذا لا تحددون لمن توجهون خطابكم ؟ قولـــوا لا لطائفية النظام المجرم ، ولا لعنف السلطة الباغية . والأفضل من ذلك كله أن تتقاعدوا عن العمل السياسي وتتخلوا عن هذه المعارضة المخملية ، فلم يعد الشعب الثائر في حاجة لخدماتكم ، ويعطيكم ألف عافية عمــا قدمتموه سابقا ، وأتركوا جماهير سورية الأبية تحفظ بعض الذكرى لكم ، وتأكدوا أنه لا مستقبل لكم أبدا في سورية المستقبل . سورية الحرة الديمقراطية المستقلة .  
 
في 18/9/2011                                             

العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم