Monday 3 October 2011

بشـــائر النصــر

بشـــائر النصــر 
          يشعر الكثيرون من الناشطين في الثورة السورية ، مؤخرا ، بشيء من الإحباط والتشاؤم ، وينتابهم القلق       على مصير الثورة . وقـد يكون لديهم كل الحق في ذلك ، فظواهر الأمور – حتى الآن – لا تـدل على قرب رؤية الضوء في نهاية النفق . للأسباب التالية :                                                               
- إستمرار وتصاعد حملة القمع الوحشية التي ينفذها النظام المجرم بحق الشعب الأعزل .                    
- إزدياد كم الإعتقالات في صفوف الناشطين وقيادات التنسيقيات والمعارضين بشكل هائل ومؤثر .         
- العجز المتواصل لمجلس الأمن عن إتخاذ أي قرار يدين النظام ، بوجود المعارضة الروسية المشبوهة .  
- الصمت العربي والإقليمي تجاه ما يحدث في سورية ، والإكتفاء ببيانات شجب مخففة اللهجة .              
- قصور المجتمع الدولي عن أي فعل جدي ، والإكتفاء بعقوبات إقتصادية وإدانات لم يُلحظ لها أي تأثيـــر    جوهري حتى الآن .          
         لكنني لا أعتقد بأن الصورة على هذا الشكل من القتامة والسوداوية . فظواهر الأمور لا تعكس  كل جوانب الحقيقة عادة ، وهناك الكثير من العوامل الجزئية ، الداخلية والخارجية ، التي تتراكم كـل يــوم ممـا سيؤدي في النهاية ، إلى إحداث تغيير جذري في الموقف ، وقلب الأمور رأسا على عقب ، وزوال النظـــام المجرم ، وإنتصار ثورة الشعب في مستقبل قريب إن شاء الله . يدعوني إلى هذا التفاؤل ما يلي :
أولا : إكتساب الثورة والثوار خبرات عظيمة في التنظيم والتنسيق والقيادة والإتصالات  خلال سبعة الأشهر الماضية من عمر الثورة . صحيح أن هذا الإكتساب تـم بتكالف باهظة من الأرواح والدماء وفقدان الحرية ، لكن قيمة تلك الخبرات العملية والمعنوية لا تقدر بثمن ، وستؤتي أكلها في القريب العاجل بالتأكيد .
ثانيا : إن أبناء جيلين كاملين من الشعب السوري ( بين العشرين والأربعين عاما  ) قـد ولـدوا في ظـل هــذا النظــام الديكتاتوري المجـرم ، ولــم يسبق لهـم أن سمعـوا في حيـاتهم بمصطلحــات مثل : " ديمقراطيــة ، تعددية ، دولة مدنية ، .....إلخ " ولـم يعرفوا من نشاطات الشارع سوى المسيرات المعلبة لتــأييد النظـــام ، والهتاف للرئيس القائد ، ورفع صوره في كل مكان . جيلين كاملين عاشا على الخوف والكبت وكم الأفـواه . الآن هؤلاء الشباب يمثلون 80 بالمئة من قوام هذه الثورة المباركة ووقودها . وقد كسروا حاجز الخوف إلى الأبد ، وهذا تبدل جوهري لا حدود لقيمته ، وستكون له منعكسات إيجابية مستقبلية لا مثيل لها .
ثالثا : صحيح أن الإعتقالات الجائرة قد طالت الآلاف من ناشطي الثورة ومنظميها وقياداتها . لكن طبيعــــة الثورات – كما تعلمنا حقائق التاريخ – أنها قادرة على إنبات البدائل الكفـؤة ، فورا ، من أنساقها الثانية لكي تحافظ على الإستمرارية والتوهج .
رابعا : تزايد الإنشقاقات في صفوف جيش النظام ، والإنضمام إلى الجيش السوري الحر بأعداد ملحوظــة . وربما يبدو ، من المراقبة الظاهرية ، أن لا تكون هذه الإنشقاقات ، من حيث الكم ، حاسمة في تبديل ميزان القوى . لكن تراكماتهــا على المدى المنظور ، وفقـا لقوانين الديـالكتيـك ، ستؤدي إلى إحــداث تغيير نوعي جوهري .عـدا عن إن الروح المعنويـة العاليـة التي يتمتـع بها أبطـال الجيش السوري الحـر تفـوق بأضعـاف  مضاعفة  مثيلتها لدى مرتزقة جيش النظام ، وهذا عامل هام يلعب دورا جوهريا في أي ثورة وصراع .
خامسا : تصاعد الضغـوط الدوليـة على النظـام ، وتغير خطاب الحكومـات المؤيـدة لـه ، ولو بشكل طفيف ، وبـدء التأثير الفعلي للعقـوبات الإقتصاديـة ، مما يهدد النظـام في أحدى مرتكزاته الرئيسية القائمـة على مبـدأ " تحالف السلطة والثروة " بإنفكاك طبقة رجال المال عنه . وتزايد إحتمالات التدخل الدولي أوالإقليمي ، من مستوى ما ، لوقف المجزرة .
سادسا : تزايـد التذمر في أوساط الحكماء من وجهاء وأبناء الطائفة العلوية الكريمة ، من السلوك  الإجرامي القمعي للنظام في مواجهة غالبية الشعب السوري . والإستغلال الدنيء للولاءات والمشاعر الطائفية .وتنامي الوعي لديهم بأن النظام يخلق ، برعونة وإستهتار ، فجوة بين طائفتهم وباقي مكونات الشعب السوري ، قــد لا تندمل آثارها لأجيال قادمة . وإدراكهم بأن النظام يزج بأبنائهم في مخاطر مميتة خدمة لمصالحه الذاتية . وإنه بذلك يعرض مصير ووجود الطائفة للخطر ، بدلا من إستماتته الزائفة في الإدعاء ومحاولة الإقناع بأن هذا المصير والوجود مرهونان ببقاء النظام وإستمراره .
سابعا : تنامي  الإحتمال بإحتدام الخلافات في قمة هرم السلطة ،وفي أوساط القيادات العليا للجيش والأجهزة الأمنية . وليس هذا بغريب عن التاريخ الأسود لهذا النظام الفاشي . والكل يتذكر الصراع الضاري بين رأس النظام وشقيقه السفاح " رفعت " في ثما نينات القرن الماضي .
          ومن المؤكد أن كل هذه الظواهر المبشرة بالنصر لم تكن لتتحقق لولا العامل الحيوي الأكثر أهميـة  والمحرك لكـل ما عداه ، المتمثل بإستمرار الثورة وصمودها وإزدياد توهجها في مواجهـة أفظع آلــة قمـــع وحشية بربرية في العصر الحديث ، مقدمة أعلى التضحيات  ، وأروع الأمثلـة في النضال والوطنيـة ، دون خوف أو تردد أو نكوص .
        إن حتمية التاريخ تعزز القناعة بأن الثورة السورية المباركة ستنتصر في النهاية ، مهما تغول النظام في إجرامه ، وأن سورية لن تعود إلى أوضاع ما قبل الثورة ولو إنطبقت السماء على الأرض ، وأن بشائر النصر تلوح في الآفاق القريبة ، بعون الله وسواعد الثوار الأبطال .

في 3/10/ 2011                                         العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم 

1 comment:

طل الملوحي said...

بارك الله فيك ونصرنا واياك على هذا النظام المجرم